أقول: وجه كون هذا النقل حجة عليك، أنه لو كان القول المردود عليه قول الزمخشري، لوجدنا الزمخشري فسر الرسول بالعقل، ولما لم يكن كذلك لم يكن هذا القول قول الزمخشري ولم يكن المردود عليه هو الزمخشري، فتبين كذبك على ابن عاشور أيضاً كما كذبت على المعتزلة.
خامساً: لو سلمنا - جدلاً - أن الزمخشري يقول بأن التعذيب واقع قبل إرسال الرسل، فهل يصح أن يقال: إن من قال بذلك وفهم الآية على مقتضاه: " يروم تحريف الآية!! ".
ولو كان ذلك جائزاً عندكم معشر الأشعرية، لقلتم عن إخوانكم الماتريدية - الذين تدعون أنكم وإنهم أهل السنة - إنهم يحرفونها، لأنهم يفسرون التعذيب هنا بتعذيب الاستئصال في الدنيا، انظر كلام شيخهم أبي منصور في تفسير هذه الآية في تأويلات أهل السنة (3/ 142)، واختاره العلامة الآلوسي الحنفي في تفسير، وانظر أيضاً تفسيره لقوله تعالى: " رسلاً مبشرين .. " الآية في تأويلات أهل السنة (1/ 528)، وذلك بناء على قولهم بوجوب المعرفة قبل إرسال الرسل، وقول بعضهم بأن التعذيب واقع كما هو قول أبي منصور وعامَّة مشايخ سمرقند كما قال ابن الهمام في المسايرة.
- فهل تقول يا نزار يصح أن يسمى تأويل أبي منصور وغيره تحريفاً؟!
إن قلت نعم، لزمك أن إخوانك الماتريدية يحرفون الآيات!!، فلا يصح بعد ذلك جعلهم من أهل السنة.
وإن قلت: لا، لزمك أن توافقني أن فهم الآية بخلاف الفهم الأشعري، لا يصح أن يقال إنه تحريف، بل من قال ذلك فقد بغى.
سادساً: غايتي من هذا الموضوع ذكر نموذج على تحامل الأشعرية على المعتزلة، فلا ينكر علي الدفاع عن كلام الزمخشري مع أنه معتزلي مبتدع، بل هو باب العدل الذي أمرنا الله تعالى به.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في منهاج السنة: " وليس في أهل الأهواء أصدق ولا أعبد من الخوارج، ومع هذا؛ فأهل السنة يستعملون معهم العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم؛ فإن الظلم حرام مطلقا كما تقدم، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض، بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض، وهذا مما يعترفون هم به، ويقولون: أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضا. وهذا لأن الأصل الذي اشتركوا فيه أصل فاسد مبني على جهل وظلم، وهم مشتركون في ظلم سائر المسلمين، فصاروا بمنزلة قطاع الطريق المشتركين في ظلم الناس، ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض، والخوارج تكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يكفرون من خالفهم، وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يكفر؛ فسق، وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا ويكفرون من خالفهم فيه، وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم، الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق؛ كما وصف الله به المسلمين بقوله: ? كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ? [آل عمران: 110]، قال أبو هريرة: كنتم خير الناس للناس ... ".
ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[08 Feb 2010, 01:41 ص]ـ
لا حول ولا قوة إلا بالله
إذا علمنا أن الزمخشري يرى أن وجوب معرفة الله تعالى عقلي، لا سمعي ناتج عن دعوة الرسل كما يقول أهل السنة، علمنا يقينا أنه لا يرى أثرا لبعثة الرسل في أصل التكليف بمعرفة الله حيث أدرك العقل ذلك.
والزمخشري لما تقرر في ذهنه هذا المذهب، شأنه كشأن باقي المعتزلة بلا استثناء في مسألة الوجوب العقلي، وصادفته آيات تخالف مذهبه، اضطر إلى التوفيق بينها وبين ما يعتقده من دون أن يتخلى عن مذهبه في الوجوب العقلي، ولهذا اعتبر بعثة الرسل من عدمها لا تغير شيئا في الوجوب العقلي، خلافا لأهل السنة، وسيتبين ذلك.
وقبل ذلك فلنذكر بمذهب أهل السنة، فقد قال الإمام محيي السنة في تفسير قوله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] وفيه دليل على أن الله لا يعذب الخلق قبل بعثة الرسول. (معالم التنزيل ج2/ص312)
وقال الرسعني في تفسير قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا): قال القاضي أبو يعلى: في هذه الآية دليل على أن معرفة الله لا تجب عقلا، وإنما تجب بالشرع وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك لم يقطع عليه بالنار. (رموز الكنوز، ج4/ص 139، 140)
¥