تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الزمخشري فلما رأى انفراد العقل بإدراك وجوب معرفة الله تعالى قبل بعثة الرسل، فكان من الواضح أن يعتقد لزوم أصل الحجة على الإنسان ولو قبل بعثة الرسول إليه، وهذا مذهبه وإلا كان متناقضا، وهو لا يتناقض كما يدل على ذلك كتابه في أصول الدين وآراؤه في التفسير، وهذا واضح بحيث ينبغي لمن يشكك في ذلك أن يراجع عقله وفهمه، أو يشتغل بشيء غير هذا العلم.

وقد قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] فإن قلت: كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى معرفة الله، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة، ولا عرف أنهم رسل الله إلا بالنظر فيها؟ اهـ

فانظر كيف جعل الزمخشري الناس محجوجين قبل دعوة الرسل، بل جعل الرسل كسائر الناس في حصول المعرفة بالعقل، فهل يشك عاقل بعد ذلك في حقيقة مذهب الزمخشري وهو لزوم الحجة على الإنسان ولو قبل مجيء الرسول، وبالتالي يعذب ويخلد في النار من لم يعرف الله قبل أن يدعوه الرسول، وهو خلاف مذهب أهل السنة كما أسلفنا بعض أقوالهم.

ثم قال الزمخشري متعسفا في تفسير الآية: الرسل منبهون عن الغفلة، وباعثون على النظر، كما ترى علماء أهل العدل والتوحيد، مع تبليغهم ما حملوه من تفصيل [في المطبوع: تفضيل] أمور الدين وبيان أحوال التكليف وتعليم الشرائع، فكان إرسالهم إزاحة للعلل وتتميما لإلزام الحجة لئلا يقولوا: لولا ارسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وبنبهنا لما وجب الانتباه له. (الكشاف ج2/ص 179، 180)

فانظر قوله: (وتتميما لإلزام الحجة) فالحجة عنده لازمة قبل إرسال الرسول، فالعذاب عنده لازم لمن لم يعرف الله قبل إرسال الرسول، وهو خلاف مذهب أهل السنة، فكيف تجعل الزمخشري على غير مذهبه الصريح؟؟

هل انفردت بفهم كلام الزمخشري دون سائر العلماء؟؟

وهاك كلام العلامة ابن عاشور في تفسير قوله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء: 165] لعل ذهنك ينفتح له:

"وأمّا المعتزلة فقد أثبتوا الحسن والقبح الذاتيين في حالة عدم إرسال رسول؛ فقالوا: إنّ العقل يثبت به وجوب كثير من الأحكام، وحرمة كثير، لا سيما معرفة الله تعالى، لأنّ المعرفة دافعة للضرّ المظنون، وهو الضرّ الأخروي، من لحاق العذاب في الآخرة، حيث أخبر عنه جمع كثير، وخوف ما يترتَّب على اختلاف الفِرق في معرفة الصانع قبل المعرفة الصحيحة من المحاربات، وهو ضرّ دنيويّ، وكلّ ما يدفع الضرّ المظنونَ أو المشكوك واجب عقلاً كمن أراد سلوك طريق فأخبر بأنّ فيه سَبُعاً، فإنّ العقل يقتضي أن يتوقّف ويبحث حتّى يعلم أيسلك ذلك الطريق أم لا، وكذلك وجوب النظر في معجزة الرسل وسائر ما يؤدّي إلى ثبوت الشرائع.

فلذلك تأوّلوا هذه الآية بما ذكره في (الكشاف) إذ قال: فإن قلت: كيف يكون للنّاس على الله حجّة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله من الأدلّة التي النظر فيها موصّل إلى المعرفة، والرسلُ في أنفسهم لم يتوصّلوا إلى المعرفة بالنظر في تلك الأدلّة، أي قبل الرسالة. قلت: الرسل منبِّهون عن الغفلة وباعثون على النظر مع تبليغ ما حمّلوه من أمور الدّين وتعليم الشرائع؛ فكان إرسالهم إزاحة للعلّة وتتميماً لإلزام الحجّة.

قال العلامة ابن عاشور: يعني أنّ بعثة الرسل رحمة من الله لا عدل، ولو لم يبعثهم لكانت المؤاخذة على القبائح عدلاً، فبعثة الرسل إتمام للحجّة في أصل المؤاخذة. اهـ

فهذا العلامة ابن عاشور يبين لك أن مذهب الزمخشري حصول الإلزام بمجرد العقل، وما بعثة الرسول إلا مجرد تتميم للحجة في أصل المؤاخذة.

فهل العلامة ابن عاشور أيضا متحامل على الزمخشري لا سمح الله؟؟ أو هو جاهل بمذهب الزمخشري معاذ الله؟؟ أو هو باغ على الزمخشري حاشاه الله من البغي؟؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير