ـ[محمود الشنقيطي]ــــــــ[08 Feb 2010, 05:59 م]ـ
يا إخواننا الكرام أليس من الإنصاف أن نعرض لكلام الرجل ثم نرد عليه , وقد نقلت لكم كلامه بنصه من كتابه بالصفحة والطبعة , ولأن كلامه عن الوحي وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمعه بأذنه ولا رآه بعينه واضح البطلان لكل من له أدنى اطلاع فكان سؤالي السابق؟
وقول إخواننا إن السائل أقل من المقلد واضح البطلان لأنه لا يخفى أن الاستفهام أنواع ومنه التقريري الذي لا يريد المستفهم أن يتعلم من الإجابة وإنما يريد أن يقررها بجواب المسئول نفسه , ولذلك فكتاب الله مليء بهذا الاستفهام فالعجب ممن يعلم هذا ثم يقول ما قال أو يجهله ثم يقول ما قال.
هذا الجوابُ من تحصيل الحاصلِ الذي لا ينبغي صرفُ الجهد لأجلهِ بارك الله فيك , ولا وجهَ لاستشهادكَ باستفهاماتِ القرآنِ فهي معلومةٌ بسياقها الذي تردُ فيه ويتبينُ أهي للتقرير أو التوبيخ أو غيرهِ , خلافاً لكلامك المجرَّد الذي ابتدأت به الموضوعَ فإنَّ بينهُ وبين القرآنِ ما لا يُحتاجُ فيه إلى تفصيل , وعلى كلٍّ فليس هذا الأمرُ محلَّ نقاش بقدر ما هو إبطالُ قياسٍ وتشبيهٍ.
وأما الرد العلمي على هذا الكلام فسيكون على فقرة منه بعد فقرة , فأول ذلك كلامه عن الوحي حيث قال:إن نقل المعلومات من ملك نوراني إلى بشر من لحم ودم ليس بالأمر المعتاد بين الناس , ولا هو من أساليب التعلم التقليدية , بل هو كيفية اسمها (الوحي) لا يعرفها حق معرفتها إلا من عاناها.
إذا كان لا يعرفها حق معرفتها إلا من عاناها , فلماذا تعرفها لنا يادكتور وأنت حقا ويقينا ما عانيتها؟
يا أخي تأمَّل قوله (حق معرفتها) فهذا كلامٌ تدلُّ عليه السنةُ التي نطقَ بها من نزلَ عليهِ الوحيُ صلى الله عليهِ وسلَّمَ فلم يُنكر على من سألهُ عن كيفيةِ هذا الوحي ووقعِ نزوله كما هو مُتَّفقٌ على صحتهِ أنَّهُ سُئلَ كَيْفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ.؟ فهل ترى هذا السؤالَ وإجابتهُ كانتا من باب الفُضولِ , أم إقرارٌ وإثباتٌ بأنَّ نزولَ الوحي لا يعرفُهُ حقَّ المعرفة إلا من عاناهُ , ولذلك سُئلَ عنهُ فأجاب , وفرقٌ بين التعريفِ النَّظريِّ وبينَ الشعور والإحساسِ , فكثيرٌ منَّا اليوم يتكلمُ عن مُسلَّماتٍ شرعيةٍ كلاماً نظريّاً ولا يجرؤ على ادِّعاءِ أنَّهُ يدكها حقَّ الإدراك كالحديثِ عن الحسنةِ والسيِّئةِ والسكراتِ وأهوالِ القيامة وغيرها , وهذا مثلهُ وليس فيه مجالٌ للنكير.
ثم قال: والذي نعرفه عنها أنها تفريغ معلومات من الملك إلى روح الموحى إليه مباشرة من غير مرور على الأذن أو العين البشريتين.
من أين عرفت هذا وأين نقلك وعزوك؟ ومن من علماء المسلمين قال بأن الوحي تفريغ معلومات من الملك إلى روح الموحى إليه مباشرة من غير مرور على الأذن أو العين البشريتين؟
قال ابن كثير رحمه الله: هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك فإنه كان يبادر إلى أخذه ويسابق الملك في قراءته فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له وتكفل الله له أن يجمعه في صدره وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه عليه وأن يبينه له ويفسره ويوضحه فالحالة الأولى جمعه في صدره والثانية تلاوته والثالثة تفسيره وإيضاح معناه ولهذا قال تعالى: {لا تحرك به لسانك لتعجل به} أي بالقرآن كما قال تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما} ثم قال تعالى: {إن علينا جمعه} أي في صدرك {وقرآنه} أي أن تقرأه {فإذا قرأناه} أي إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى: {فاتبع قرآنه} أي فاستمع له ثم اقرأه كما أقرأك {ثم إن علينا بيانه} أي بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن أبي عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة فكان يحرك شفتيه] قال: فقال لي ابن عباس: أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه وقال لي سعيد: وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه فأنزل الله عز وجل {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه} قال: جمعه في صدرك ثم تقرأه {فإذا قرأناه فاتبع
¥