إذن فالقرآن العظيم كان ينزل على قلب النبي صلى الله عليه وسلم لا على أذنه وعينه , وهو الوحي كما ذكرنا , قال صلى الله عليه وسلم واصفا تلك الحالة: (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس – وهو أشده علي – فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال). أ - هـ
تلقي القرءان الكريم عبر العصورص 4,5.
فبهذا الإنصاف ينتهي ردي على هذه الفقرة من كلام الدكتور الفاضل أيمن سويد حفظه الله وسأنتقل إلى الفقرة الثانية فأقول وبالله التوفيق:
قول الدكتور حفظه الله:
ولعل أقرب شيء نستطيع أن نشبه به ظاهرة الوحي هو الرؤيا المنامية التي تحدث لكل واحد منا في النوم فترى فيه الروح وتسمع ولكن من غير استعمال الأذن والعين ,
وفي هذا الكلام خطأ كبير من وجوه:
الأول: أنه تشبيه للوحي الذي منه تلقي القرءان برؤيا أحدنا في النوم ومعلوم أن الأصل أن يكون المشبه أقل من المشبه به غالبا , فيكون الوحي أقل من رؤيا أحدنا في النوم , وهذا لاشك في خطئه , وأنا أعلم أن فضيلة الدكتور لم يقصد هذا ولكني لا أتكلم عن قصده بل أتكلم عن لفظه وما خطه بقلمه.
الثاني: أن الوحي الذي منه القرءان الكريم هو أعظم من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم التي هي نوع من الوحي بدليل أنه بدئ بها الوحي ثم تدرج الوحي فجاءه الملك في غار حراء ثم فتر ثم حمي وتتابع , فإذا كان تلقي القرءان أعظم من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يشبه برؤيا أحدنا وهي أقل من رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب؟
الثالث: أن رؤيا أحدنا منها مايكون حق ومنها ما يكون باطلا , والوحي كله حق فكيف يشبه بما منه حق ومنه باطل؟
وقد اشتد نكير الأئمة على من شبه الوحي بالمنامات لأن هذا قول قديم للفلاسفة , وأنا ناقل عن الأئمة بعض ما قالوه في ذلك:
قال ابن تيمية رحمه الله: ولكن النبوة التي علمها أبو حامد هي النبوة التي تثبتها الفلاسفة وهي من جنس المنامات ولهذا استدل على جوازها بمبدأ الطب والهندسة ونحو ذلك وأمر النبوة أعظم من هذا بكثير. النبوات 1/ 256
ولهذا كانت النبوة عندهم مكتسبة وصار كثير منهم يطلب ان يؤتى مثل ما اوتى رسل الله وأن يؤتى صحفا منشرة كما طلب ذلك غير واحد في زماننا وكما طلبه السهروردي المقتول وابن سبعين وغيرهما وسبب ذلك أن هذه النبوة التي أثبتوها امرها من جنس منامات الناس ولهذا كان عمدتهم في إثبات النبوة هو المنامات. الرد على المنطقيين 483
وقال رحمه الله:الوجه الثاني عشر:
قوله: وإن القرآن يلقيه إليك على الوجه الذي لو كنت في النوم مطالعا بروحك اللوح المحفوظ لتمثل لك ذلك بمثال مناسب يحتاج إلى التعبير يتضمن أصلين فاسدين ليسا من أصول المسلمين بل من أصول الفلاسفة الضالة وهي أن ما يخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء من أمور الغيب إنما هو من جنس المنامات التي يراها الناس فإن النائم تضرب له الأمثال في منامه بنوع يشابه تأويل الرؤيا ولهذا كان مدار تأويل الرؤيا على معرفة القياس والاعتبار والرؤيا الصادقة وإن كانت جزأ من ستة وأربعين جزءا من أجزا النبوة وفي الصحيحين كان أول ما بدىء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح فرؤيا الأنبياء كمال قال ابن عباس وحي. بغية المرتاد316
ودخلت الفلاسفة من هذا الباب فزعموا أن تكليم الله لموسى انما هو فيض فاض على نفسه من العقل الفعال وان كلام الله ليس الا ما يحصل فى النفوس من المخاطبات كما أن الملائكة ما يحصل فى القلوب من الصور الخيالية ومثل هذا قد يحصل فى اليقظة والمنام فجعلوا تكليم الله لموسى ابن عمران من جنس من يرى ربه فى المنام وهو يكلمه ونحو ذلك وهو لازم لقول من جعل كلام الله معنى مجردا واذا كان اللزوم معلوم الفساد بالاضطرار من دين الاسلام علم فساد اللازم مجموع الفتاوى 6/ 540
و يجعلون الفيلسوف أفضل من النبى ويجعلون النبوة من جنس المنامات. مجموع الفتاوى16/ 440
والفلاسفة والملاحدة وغيرهم منهم من يجعل النبوات من جنس المنامات ويجعل مقصودها التخييل فقط قال تعالى بل قالوا أضغاث أحلام بل إفتراه بل هو شاعر فهؤلاء مكذبون بالنبوات ومنهم من يجعلهم مخصوصين بعلم ينالونه بقوة قدسية بلا تعلم ولا يثبت ملائكة تنزل بالوحى ولا كلاما لله يتكلم به بل يقولون أنه لا يعلم الجزئيات فلا يعلم لا موسى ولا محمدا ولا غيرهما من الرسل ويقولون خاصية النبى هذه القوة العلمية القدسية قوة يؤثر بها فى العالم وعنها تكون الخوارق وقوة تخيلية وهو أن تمثل له الحقائق فى صور خيالية فى نفسه فيرى فى نفسه أشكالا نورانية ويسمع فى نفسه كلاما فهذا هو النبى عندهم وهذه الثلاث توجد لكثير من آحاد العامة الذين غيرهم من النبيين أفضل منهم وهؤلاء وإن كانوا أقرب من الذين قبلهم فهم من المكذبين للرسل.
وكثير من أهل البدع يقر بما جاءوا به إلا فى أشياء تخالف رأيه فيقدم رأيه على ما جاؤا به ويعرض عما جاؤا به فيقول إنه لا يدرى ما أرادوا به أو يحرف الكلم عن مواضعه وهؤلاء موجودون فى أهل الكتاب وفى أهل القبلة ولهذا ذكر الله فى اول البقرة المؤمنين والكافرين ثم ذكر المنافقين وبسط القول فيهم. مجموع الفتاوى 27/ 282
وليعلم الجميع أن نقلي لكلام ابن تيمية السابق لا أقصد به رمي الدكتور أيمن بشيء من الفلسفة أو أنه يقول بقولهم حاشا وكلا ولكن أردت به بيان أن أصل المقولة هي للفلاسفة ومن هنا تظهر الخطورة في أن يتضمن كتاب عالم فاضل كلاما يمكن أن يكون مشابها لكلام هؤلاء الفلاسفة , وجزى الله المنصفين خير الجزاء.
¥