السجل وذلك وهم وإنما السجل الصحيفة المكتوبة واللام مثلها في قوله تعالى وتلة للجبين وفي قول الشاعر ... فخر صريعا لليدين وللفم
أي يطوى السماء كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب، وهذا كثير جدا، فكيف يكون تفسير الصحابي حجةً في حكم المرفوع؟.
-قيل: الكلام في تفسيره كالكلام في فتواه سواء، وصورة المسألة هنا كصورتها هناك سواء بسواء، وصورتها أن لا يكون في المسألة نصٌ يخالفه، ويقول في الآية قولاً لا يخالفه فيه أحد من الصحابة، سواء عُلِم لاشتهاره أولم يعلم، وما ذُكِرَ من هذه الامثلة فُقِدَ فيه الأمران، وهو نظير ما رُوي عن بعضهم من الفتاوي التي تخالف النص، وهم مختلفون فيها سواء.)) أهـ
* * *
و في فتوى الصحابي - و قد تقدم آنفا أن الكلام في تفسيره كالكلام في فتواه - قال ابن القيم:
((فتلك الفتوى التي يفتى بها أحدهم لا تخرج عن ستة أوجه: أحدها: أن يكون سمعها من النبي ص - الثاني: أن يكون سمعها ممن سمعها منه، الثالث: أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهماً خفى علينا، الرابع: أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ولم ينقل إلينا إلا قول المفتى بها وحده، الخامس: أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا أولقرائن عالية اقترنت بالخطاب أولمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي ص - ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كلامه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي ومشاهدة تأويله الفعل؛ فيكون فهم مالا نفهمه نحن، وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة بجب أتباعها، السادس: أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى الله عليه و سلم - وأخطأ في فهمه والمراد غير ما فهمه، وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة، ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين، هذا مالا يشك فيه عاقل، وذلك يفيد ظنا غالبا قويا على أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال مَن بعده، وليس المطلوب إلا الظن الغالب، والعمل به متعين، ويكفى العارف هذا الوجه)). انتهى، من كلام ابن القيم
* فتلك الأمثلة المحكيّة في أخطاء الصحابة في التفسير، إنما حكاها ابن القيم على أنها من شُبَه نُفاة وجوب اتباع الصحابة، و رَدّ هو عليها؛ فلا يُستدلّ بالشبهات المردودة المدفوعة.
* * *
- و سأتناول أولها هنا بالتفنيد، و هي ما استشهد به كاتب المشاركة (أبو حسان)؛ قالوا: (فنحن نجد لبعضهم أقوالاً في التفسير تخالف الاحاديث المرفوعة الصحاح، وهذا كثير؛ كما فسر ابن مسعود الدخان بأنه الاثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط، وقد صح عن النبي ص - أنه دخان يأتى قبل يوم القيامة يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدجال وطلوع الشمس من مغربها). أهـ
- فتفسير الصحابي عبد الله بن مسعود للدخان - الوارد في قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}. [الدخان: 10]- بأنه من أثر الجهد و الجوع الذي أصاب مشركي قريش، بعد أن دعا عليه النبي صلى الله عليه و سلم بسِني كسِني يوسف؛ هو موافقٌ للحديث الصحيح، المتفق عليه
أخرج الإمام البخاري في " صحيحه ":
(حدثنا يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق قال قال عبد الله إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصوا على النبى - صلى الله عليه وسلم - دعا عليهم بسنين كسنى يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم) قال فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل يا رسول الله استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت. قال «لمضر إنك لجرىء». فاستسقى فسقوا. فنزلت (إنكم عائدون) فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية. فأنزل الله عز وجل (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) قال يعنى يوم بدر). أهـ
و كذا أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه "، في (باب الدخان)؛ قال:
(حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا أبو معاوية ووكيع ح وحدثنى أبو سعيد الأشج أخبرنا وكيع ح وحدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا جرير كلهم عن الأعمش ح وحدثنا يحيى بن يحيى وأبو كريب - واللفظ ليحيى - قالا حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق قال جاء إلى عبد الله رجل فقال تركت فى المسجد رجلا يفسر القرآن برأيه يفسر هذه الآية (يوم تأتى السماء بدخان مبين) قال يأتى الناس يوم القيامة دخان فيأخذ بأنفاسهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام. فقال عبد الله من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من فقه الرجل أن يقول لما لا علم له به الله أعلم. إنما كان هذا أن قريشا لما استعصت على النبى -صلى الله عليه وسلم- دعا عليهم بسنين كسنى يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى جعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد وحتى أكلوا العظام فأتى النبى -صلى الله عليه وسلم- رجل فقال يا رسول الله استغفر الله لمضر فإنهم قد هلكوا فقال «لمضر إنك لجرىء». قال فدعا الله لهم فأنزل الله عز وجل (إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون) قال فمطروا فلما أصابتهم الرفاهية - قال - عادوا إلى ما كانوا عليه - قال - فأنزل الله عز وجل (فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم) (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون) قال يعنى يوم بدر). أهـ
- و أما الجمع بين هذا الحديث و حديث آيات الساعة، و منها الدجال و الدخان؛ فلا تعارض بينهما، و يُرجع في بيانه إلى ما ذكره الطبري في تفسيره، و الطحاوي في " بيان مشكل الآثار "
* و عليه، بطلَ الزعم بخطأ ابن مسعود رضي الله عنه في تفسيره لآي القرآن، و بطل الزعم بمخالفته الحديثَ الصحيح في تفسيره
و الله وليّ التوفيق
-
¥