و بهذا بطلَ الزعمُ بوجود أخطاء للصحابة في تفاسير القرآن، تستدعي المراجعة و التصحيح
رضي الله عنهم أجمعين
و كتبه
د. أبو بكر عبد الستار خليل
عفا الله عنه و عافاه في الداريْن
اللهم آمين
حسنا وما توجيهك لتعقيب النبي صلى الله عليه وسلم على فهمه؟
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[14 Feb 2010, 04:55 ص]ـ
إن تصوير مسألة خطأ بعض الصحابة في التفسير إلى حدِّ مخالفة الحديث النبوي فيها أمر مشكل يحتاج إلى نظر وتأنٍ.
وسأذكر لهذا المثالَ الذي ذكره الشيخ الفاضل أبو حسان بقوله:
(فسر ابن مسعود الدخان بأنه الاثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط وقد صح عن النبي ص - أنه دخان يأتى قبل يوم القيامة يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدجال وطلوع الشمس من مغربها).
والأثر الوارد عن ابن مسعود رواه البخاري من طرق، ومنها قوله: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَالأَعْمَشُ عَنْ أَبِى الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِى كِنْدَةَ فَقَالَ يَجِىءُ دُخَانٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ. فَفَزِعْنَا، فَأَتَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَكَانَ مُتَّكِئًا، فَغَضِبَ فَجَلَسَ فَقَالَ مَنْ عَلِمَ فَلْيَقُلْ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لاَ يَعْلَمُ لاَ أَعْلَمُ. فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) وَإِنَّ قُرَيْشًا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلاَمِ فَدَعَا عَلَيْهِمِ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ «اللَّهُمَّ أَعِنِّى عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ، فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَتَّى هَلَكُوا فِيهَا، وَأَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ وَيَرَى الرَّجُلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ»، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ جِئْتَ تَأْمُرُنَا بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ، فَقَرَأَ (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِى السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) إِلَى قَوْلِهِ (عَائِدُونَ) أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ عَذَابُ الآخِرَةِ إِذَا جَاءَ ثُمَّ عَادُوا إِلَى كُفْرِهِمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى) يَوْمَ بَدْرٍ وَلِزَامًا يَوْمَ بَدْرٍ (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ) إِلَى (سَيَغْلِبُونَ) وَالرُّومُ قَدْ مَضَى).
ويمكن تصوير المسألة كالآتي:
الأول: أن يكون ابن مسعود يعلم أن (الدخان) من أشراط الساعة الكبرى، لكنه لا يرى أنه هو المقصود في هذه الآية.
وهذا قد يقع في عدد من الآيات، فيقع الخلاف بين المفسرين في لفظة ما هل هي المقصودة بما ورد في الحديث أو إنها غيره، وفي مثل هذا لايقال: إن هذا مخالفة للحديث؛ لأن هذه الصورة يدخلها الاجتهاد؛ كاختلافهم في تفسير الجسد في قوله تعالى (وألقينا على كرسيه جسدًا) (الأنبياء:34).
الثاني: أن لا يكون ابن مسعود عارفًا بأن الدخان من أشراط الساعة الكبرى، وهذا ما يوحي به الأثر الوارد عنه، وهذا يقع على آحاد الصحابة ـ كما هو معلوم ـ إذ قد يخفى على بعضهم ما يعلمه غيرهم من سنة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم.
وأيًّا ما كان من هذين الاحتمالين، فإن ابن مسعود لا يكون مخالفًا للحديث النبوي؛ لأنه لم يرد من سيدنا صلى الله عليه وسلم تفسير صريح للفظ (الدخان) في هذه الآية بأنه ما سيكون في آخر الزمان، ولما لم يرد عنه هذا صراحة، فإن ما وقع من اجتهاد ابن مسعود لا مشكلة فيه، ولا يقال فيه: إنه خالف الحديث النبوي؛ لأن لفظة الدخان تحتمل ما ذكره ابن مسعود وتحتمل أن يكون الدخان الذي هو من أشراط الساعة.
وما ذهب إليه ابن مسعود ذكره الطحاوي في مشكل الآثار، فقد ذكر أثر ابن مسعود، ثم ذكر حديث (بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو القيامة)، ثم قال ـ معقبًا ـ: ( ... فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه أن الدخان المذكور في حديث ابن مسعود غير الدخان المذكور في حديثي حذيفة، وأبي هريرة وذلك أن الله تعالى قال في كتابه في سورة الدخان: (بل هم في شك يلعبون) (الدخان: 9)، ثم أتبع ذلك قوله تعالى: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) (الدخان:10) أي عقوبة لهم لما هم عليه من الشك واللعب، ومحال أن تكون هاتان العقوبتان لغيرهم، أو يؤتى بهما بعد خروجهم من الدنيا وسلامتهم من ذلك الدخان. فقال هذا القائل: قد قال الله عز وجل في هذه السورة: فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين والذي ذكره ابن مسعود في حديثه ليس هو دخانا حقيقيا، وإنما هو شيء كانت قريش تتوهمه أنه دخان وليس بدخان، وفيها أن إتيانه يكون من السماء، وليس في حديث ابن مسعود ذلك، وإنما الذي فيه أنهم كانوا يرون من الجوع الذي حل بهم وأصابهم في الأرض أن بينهم وبين السماء دخانا فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن المذكور في حديث ابن مسعود سمي دخانا على المجاز؛ لتوهم قريش أنه دخان في الحقيقة من الجهد الذي بها، وإن لم يكن في الحقيقة كذلك).
وعلى قول ابن مسعود يكون لفظ (الناس) في قوله تعالى: (يغشى الناس) (الدخان: 11) من العام الذي أريد به الخصوص، فالمراد به أهل مكة فقط، وليس كل الناس الذين كانوا في عصرهم.
¥