أرجو أن لا تعجب من الدفاع عن التفسير بالمأثور والتأكيد على هذا النوع الأصيل من التفسير. ومن القديم حذر علماؤنا من (التفسير بالرأي)، ويجب أن نحذر هذا النوع من التفسير، لأنه لا ينضبط ـ أولا، وثانيا لأنه يجعل القرآن نصا مقروءا كنص أدبي فيكون لكل قارئ قراءته الخاصة ويكون لكل قراءة نصيب من الوجاهة والإصابة لأن النص الأدبي يخرج من من ملكية المؤلف ويكون ملكا للقارئ الذي يقرؤه .. التفسير بالرأي، خصوصا برأي من أتى بعد ظهور الإسلام بقرون وبعد تغير الثقافات وظهور التحديات والتأثيرات الجديدة، يجعل القرآن قالبا لأفكار مختلفة دون أن يكون للنص نفسه جوهر ثابت.
إخوتي! القرآن موجود بنصه ومعناه، ولا داعي لأن ننتظر مفسرين علميين ليكوّنوا له معاني بالاعتماد على اكتشافات علمية وأفكار جديدة. أنا أركز على هذه النقطة: المعنى القرآني موجود وحاضر، وموجود وحاضر منذ أن أنزل هذا الكتاب من السماء، وما علينا إلا رؤية هذا المعنى، و لا نراه إلا بعد التخلص من النزعات الخاصة في التفسير ومن التأثيرات الأجنبية عن الثقافة الإسلامية الأصيلة، وإلا بعد التسلح بمعرفة اللغة والآثار والثقافة الإسلامية الأصيلة.
وأما عن توافقنا الأخ الكريم إبراهيم الحسني وأنا في نقد التفسير العلمي، فذلك إنما هو لأننا اختبرنا التفسير العلمي (أو ـ على الأقل ـ التفسيرات العلمية المطروحة) وتبين لنا زيف هذه التفسيرات، ولأننا نعرف الذين يطرحون هذه التفسيرات ونعلم أنهم ليسوا مفسرين حقيقيين ولا يهمهم من القرآن إلا الآيات التي يمكنهم أن يقارنوها باكتشافات علمية جديدة وعجيبة صارخة!
وحينما يكتب الأخ الكريم إبراهيم الحسني؛ فأنا أعرف وأعي ما يكتب، وحينما أكتب أنا فالأخ الكريم إبراهيم الحسني يعرف ويعي ما أكتب، ولذلك ترانا يصدق أحدنا الآخر!
ما هكذا تورد الأمور أيها الفضلاء النبلاء، ووجود ملاحظات على ما يكتب في الإعجاز العلمي لا يعني مثل هذا الجور والقسوة والتحدي غير العلمي الذي يدل على مكابرة ظاهرة
أرجو أن يكون صدرك رحبا، كما هو دائما، إزاءنا نحن معاشر نقاد التفسير العلمي، فالتعنيف والقسوة في النقد ليس إلا غيرة على علم التفسير وليس إلا محاولة لمنع غلبة هذه التفسيرات الخاطئة على الفكر الإسلامي.
وأما عن تعبير (التحدي) و (أتحدى) الذي استخدمتُه؛ فهو مجرد تعبير عن استحالة تطبيق التفسير العلمي على الآية المذكورة.
ومع كل هذا أنا أقبل بل وأشكر كل تصحيح وتنبيه، بشرط أن يكون مقرونا بالتدليل والتأصيل والاستدلال، ولا يكون ردا مجملا ورفضا عاما، فلا أحد يستفيد من هذا النوع من الرد.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[11 Feb 2010, 07:33 م]ـ
وأما قولك: وأنا لا أريد هنا تفسير العرش، وإنما أريد من كتاب التفسير العلمي ومؤيديه والمروجين له، أن يقدموا شيئا عن تفسير هذا الماء، الماء مجردا وليس موضوع كون العرش عليه ...
فهو مردود عليك، فمن عرف معنى العرش عرف حقيقة الماء.
يا أخي الكريم
طبعا، الذي يفسر الآية عليه أن يفهم العرش أيضا ومعنى كون العرش على الماء ..
ولكنني قصدت من ذلك أن أركز على موضوع الماء، لئلا يتملص مؤيدو التفسير العلمي بالقول إن الآية من المتشابهات بدليل ذكرها للعرش. وأنا أنتظر وأتوقع هذا. وأنا سبقتهم بالقول إنني لا أريد منهم تفسير العرش وحتى كون العرش على الماء، بل أريد منهم فقط تفسير الماء.
وقصدي من المشاركة وإثارة النقاش كله أن أثبت أن مدرسة التفسير العلمي ليست مدرسة تفسيرية احترافية حقيقية، بل هي تصيد لموافقات متوهمة مع اكتشافات علمية حديثة، وما عدا ذلك فلا يهتمون به الاهتمام الواجب اللائق، فهم لا يلتفتون في الأغلب الأعم ـ حتى ـ إلى مقاصد الآية وما قبلها وما بعدها!
وأريد أن أثبت لهم أن مدرسة التفسير العلمي لم تستطع حتى الآن، ولن تستطيع، أن تفهم وتقرر عقيدة الخلق القرآنية. لا تستطيع أن تفسر الآيات القرآنية الخاصة بالكون والطبيعة في نظام متكامل من بدء الخلق إلى النظام الكوني الحالي. وسأثبت لهم أنهم لا يعرفون ما هو الكون الذي يقصده القرآن الكريم ويصفه.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[11 Feb 2010, 08:03 م]ـ
المسألة أيسر وأظهر مما تتصور، والإعجاز العلمي لا يفارق هذه الآية، دون أن يربطها أحد بنظرية الانفجار العظيم.
ولكن كيف؟ كيف يمكن تفسير الآية؟ كيف وبأي وجه وأي معنى يكون في بداية خلق الخليقة ماء؟ ما هو التفسير الذي لا يخرج عن السياق العام للنصوص الإسلامية والتفسير المأثور ولا يتصادم ـ في الوقت نفسه ـ مع حقائق العلم الثابتة؟ هذا هو المنشود.
ودعني من موضوع الإعجاز هنا، فنحن حتى الآن لم نعرف أو لم نطرح ـ ضمن هذه المشاركة ـ التفسير، والإعجاز فرع عن التفسير، فلا إعجاز إلا بعد إثبات التفسير.
¥