وأما بخصوص سؤالك فهو سؤال تعجيزي للمفسر، عن أمور لما تستقرّ حقائقها بعد .. وخارج عن نطاق تخصص هذا المفسر ..
لأن المفسر يحقق النظر في الكشف العلمي ثم يرى مطابقه أو نظيره .. في نصوص الشريعة .. ثم يحكم حكماً صوابا أو خطأً.
وأنت بطلبك هذا الذي عنونت به موضوعك وأجلبت عليه بحق وباطل = عاملت المفسر معاملة المكتشف .. وهنا فرق بين المكتشف الذي يقول: ها قد وجدت شيئاً .. والمفسر الذي يقول: أنت وجدت هذا الذي يشبه هذا أو لا يشبهه ..
هل عرفت: هناك مكتشف .. وهناك مفسر ..
أليس هذا الذي طلبته تخليطاً وتخبيصاً.
وهذا ما دأب نصيرك في طلباته من المفسرين .. يطلب منهم أن يكتشفوا .. وهو لم يكتشف شيئاً ولم يفسر خردلة .. يا لله للجهل! ..
هم اكتشفوا لأن عندهم العلوم التجريبية، وهي أدوات الاكتشاف العلمية .. ومفسرونا فسروا لأن ثقافتهم دينية، وهذه أداة التفسير أو التحليل، لا تحظر عليهم النظر ولا التفسير ولا التعبير الذي قد يخطئ وقد يصيب.
كل تعامل مع الظاهرة بما عنده ..
وأحسن من التعجيز والمداورة والمكابرة وصنوف الهروب والتملص - يا أخ - أن تأخذ آية أخرى .. تتكلم عن قضية قريبة المتناول منك سهلة المأخذ عليك يسيرة الأدوات .. وليست من غيوب الماضي السحيق .. ولا من أعماق البحار .. ولا من أفلاك المجرات .. بل قريبة جداً منك، تراه وتراك، وتغشاها وتغشاك، وتؤذيها وتؤذيك .. وتستطيع أنت بنفسك أن تتحقق من صحة قول (المفسرين العلميين) فيها أو تثبت لنا فساده .. وخذ معك نصيرك ..
إنها ذبابة ..
وهي الواردة في قوله تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ? إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ? وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ? ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ?73?)) الحج.
قالوا: الذباب إذا حط على شيء أفرز عليه عصارة تغير تركيبه، فلا يمكن أن يستعاد كما كان .. وهذا هو السلب المذكور في صدر الآية وعسر استنقاذه المذكور في عجزها.
وهذا الكشف لم يكن معروفاً قبل عشرين سنة خلت .. ولا نص على عصارة أو تركيب كيمائي أو تغيرات في طبيعة المواد .. وهو النظر الحادث غير خارج عن دلالة الآية، ولا عن أقوال من سلف .. فاللفظ طليق يستوعب هذا الجديد بلا أدنى تعارض ..
أليست هذه القضية أسهل في إمكان التحقق من صحة الدعوى، من تلك التي تعيي الزمان وأهله؟.
ـ[جمال السبني]ــــــــ[12 Feb 2010, 12:15 م]ـ
هذا تفسيرك أنت وهو ليس يلزم أحداً سواك .. لأن حالة التراكم معبر عنها في الآيات الأخرى (موج كالظلل مثلاً) التي ذكر فيها الموج مرة واحدة.
ونعلم أن الظلل (السحب) التي شبّه بها هذا الموج منها سحب ركامية (يركمه جميعاً) .. والتراكم حاصل بذكر الموج مرة واحدة .. لماذا كرر موج فوقه موج فوقه سحاب .. الحديث عن ثلاثة أشياء .. ثلاث ظلمات .. بعضها فوق بعض .. ظلمة فوقها ظلمة فوقها ظلمة .. حفظك الله.
وليست متجاورة ولا متداخلة ولا متمازجة .. بل بعضها فوق بعض.
فلماذا تعطل لفظاً من الكتاب؟.
أولا: لماذا تخلطون هذا الموضوع (موضوع قوله تعالى "وكان عرشه على الماء") بموضوع الموج (سورة النور)؟ فأنا أعتبر هذا تهربا من موضوعنا الأصلي وعجزا عن الإجابة على سؤالي.
ثانيا: لماذا تصرون على التفسير الخطأ؟ لماذا تسقطون أمام تحدي العلم الحديث؟ لماذا تحرفون القرآن تحريفا معنويا من أجل موافقة اكتشاف علمي جديد؟
لماذا تنبذون التفسير المأثور وراء ظهوركم؟ لماذا تتركون التفسير الذي اتفقت عليه الأمة وتتبعون تفسيرا جاء به مدع للتفسير كل همه هو تطويع نصوص القرآن للاكتشافات العلمية الحديثة؟
لست أنا من عطّل لفظا من الكتاب، بل الزنداني هو من ارتكب ذلك. الزنداني عطّل لفظة (يغشى) وركّز فقط على (لجي) بمعنى (عميق) وعلى (موج)،واستنتج من هذا أن الموج المذكور هو في عمق البحر!! فماذا يعني (يغشى) بحسب تفسيره؟ لا شيء! مع أن لفظة (يغشى) تعني أن الموج الأول (الأسفل) هو فوق البحر مباشرة.
فقولوا لي: من الذي عطّل لفظا من الكتاب؟
وقولوا لي: ما هي علاقة الأمواج الداخلية بالظلام الذي تصوره الآية؟ الأمر كله يتعلق بهيجان البحر وبوجود السحاب، وبهذا يكون الظلام الذي لا يمكن فيه إبصار اليد! وأما الأمواج الداخلية فهي موجودة سواء وجد الظلام في البحر أم لا، سواء وجد السحاب أم لا، وأما المشهد الذي تصوره الآية فهو هيجان البحر وتراكم الأمواج فيه وهذا مرتبط بالإعصار المصحوب بالسحاب والمطر.
أيها المسلمون! تبصروا، وانظروا ماذا يطرح عليكم من تفسيرات مغلوطة باسم التنفسير وباسم الإعجاز؟! وافعلوا هذا قبل أن نكون أضحوكة الناس.
وأما قولك (الحديث عن ثلاثة أشياء .. ثلاث ظلمات .. بعضها فوق بعض .. ظلمة فوقها ظلمة فوقها ظلمة .. )، فهو يدلّ على تحقيق ودقة في النظر. ولكنني لا أرتضي ما تقوله بعد ذلك: (وليست متجاورة ولا متداخلة ولا متمازجة .. بل بعضها فوق بعض)، فهذا الكلام لا يعنيني، لأنني لم أقل بأن الموجين يتمازجان، أنا عرضت المشهد وهو مشهد موجين متتالين متراكمين.
ما أطرحه من تفسير للآية يتوافق مع ما أجمعت عليه الأمة، ويتوافق أيضا مع العلم، ولكن مشكلته هي فقط أنه ليس تفسيرا باكتشاف علمي جديد وعجيب وصارخ!
¥