تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

3190 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا بَنِي تَمِيمٍ أَبْشِرُوا قَالُوا بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ فَجَاءَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْيَمَنِ اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ قَالُوا قَبِلْنَا فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ بَدْءَ الْخَلْقِ وَالْعَرْشِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا عِمْرَانُ رَاحِلَتُكَ تَفَلَّتَتْ لَيْتَنِي لَمْ أَقُمْ.

وهذا مجمل ومبهم، لا يُستفاد منه شيء معين. ولذا أورد ابن حجر احتمالين، وأما بالنسبة للروايات الأخرى المبيّنة فليس فيها احتمالان إذ كلام النبي (صلى الله عليه وسلم) جاء فيها صريحا وليس مبهما كما في قوله (يحدث بدء الخلق والعرش).

وأما ما تنقله ـ يا أخي ـ عن ابن حجر من شأن الرواية بالمعنى، فلا علاقة له إلا بأول الحديث وهو قوله (كان الله ولم يكن شيء غيره) فقال ابن حجر: (قوله "كان الله ولم يكن شيء غيره" في الرواية الآتية في التوحيد "ولم يكن شيء قبله"، وفي رواية غير البخاري "ولم يكن شيء معه"، والقصة متحدة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه و سلم في دعائه في صلاة الليل كما تقدم من حديث بن عباس أنت الأول فليس قبلك شيء لكن رواية الباب أصرح في العدم وفيه دلالة على أنه لم يكن شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما لأن كل ذلك غير الله تعالى) اهـ.

فأنت ترى هنا أن الاختلاف وقع في قوله (كان الله ولم يكن شيء غيره) وحدثت الرواية بالمعنى بهذا الخصوص. وأنتَ تعمّم الأمر ليشمل الحديث كله. وهذا لا يُسلَّم لك. وإذا افترضنا أن رواية الحديث وقعت كلها بالمعنى؛ ألا يمكننا أن نأخذ بالمعنى الإجمالي الذي يُستفاد من الروايات والألفاظ المتعددة؟ هل الرواية بالمعنى تسقط الاستدلال بالحديث؟!

وجاء بفتح البارى أيضا: ((وقال الكرماني: قوله (وكان عرشه على الماء) معطوف على قوله كان الله ولا يلزم منه المعية إذ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع في أصل الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير))

فتأمل أخى فى قول الكرمانى عن الواو العاطفة لتدرك منه أنها لا تقتضى ترتيبا أو تدرجا على النحو الذى فهمه البعض فظن أن هذه الراوية تشرح معنى الآية فطار بها فرحا، وأغلق فهمه على ذلك دون تدبر

تنبيه الكرماني على كون الواو في قول النبي (صلى الله عليه وسلم) عاطفة تعطف الجملة على جملة (كان الله .. ) وأن العطف يفيد الاجتماع في أصل الثبوت ولا يفيد المعية .. أقول: تنبيهه إلى هذا الأمر إنما هو احتراز من توهم أن وجود العرش والماء ووجود العرش على الماء كان مع وجود الله!! إذ ربما يُتوهَّم أن الواو بمعنى (مع)، أو ربما يتوهَّم أن الواو العاطفة تفيد هنا الاجتماع الزماني. ودفع الكرماني هذا الوهم بقوله إن الواو العاطفة هنا تفيد (الاجتماع في أصل الثبوت) فقط.

وأنت تستغلّ قول الكرماني هذا لتقول لنا إن الواو لا تفيد الترتيب بل هي عاطفة فقط!

وهذا مع أن موضع خلافنا ليس هو الواو في قوله (وكان عرشه على الماء)، بل هو الواو في قوله (وخلق السموات والأرض). وأنت تنقل لنا القول الكرماني المتعلق بالواو الأولى!

ونحن لا نقول بأن الواو في قوله (وخلق السموات والأرض) في نفسها تفيد الترتيب. بل نقول: نعلم الترتيب من الأدلة الأخرى ومنها الأحاديث التي تصرّح بالترتيب بـ (ثم)، والنظم نفسه فيه ترتيب، إذ قال (وكان عرشه على الماء ... وخلق السموات والأرض) ولم يقل (وخلق السموات والأرض ... وكان عرشه على الماء). فالنظم يفيد الترتيب.

ولتتذكر أخى ما نقلته عن الامام ابن حجر فى صدر كلامى من قوله أن تلك الرواية وقعت بالمعنى، فكيف نجعل لألفاظها قدسية مثل قدسية النص القرآنى فنقول كما قال الأخ جمال منذ قليل: بعض روايات الحديث تصرح بالترتيب ب (ثم)

وردا عليه أقول: فلماذا لم تذكر هذا باقى الروايات؟

ان هذا يؤكد مرة أخرى ما قاله الامام ابن حجر من أن الرواية قد وقعت بالمعنى، ومن ثم فلا حجة لمن استشهد باحداها من دون الأخريات ليؤيد بها نظريته، وهذا ملحظ هام علينا أن نضعه فى الاعتبار

أما بشأن الرواية بالمعنى فقد بيّنته أمرها آنفا، وبينتُ أن ابن حجر لم يعلّق بهذا الكلام على أمر الترتيب وأسبقية خلق العرش والماء على خلق السموات والأرض أو العكس، بل قال هذا الكلام عن أول الحديث (كان الله ولم يكن شيء غيره). والرواية بالمعنى لا تُسقط قدسية الحديث ومعناه الإجمالي.

وأما عن سؤالك لماذا لم أورد أنا باقي الروايات؛ فذلك لأنني أضفت الروايات التي تصرّح بالترتيب إلى الروايات التي أوردها الأخ مجدي أبو عيشة، فلم أكرر ما أورده هو. هذا أولا. وثانيا، ما اعتدنا عليه هو تفسير المجمَل بالمبيّن، ونحن نفسر الروايات المجملة أو التي لا تصرّح بالترتيب، بالروايات المفصلة المبيّنة التي تصرّح بالترتيب.

وفى مداخلات قادمة ان شاء الله سوف يتبين بتفصيل أوسع أن القرآن ذاته قد فسر آية هود السابعة وفقا لقاعدة (القرآن يفسر بعضه بعضا) وكذلك قاعدة (رد المتشابه الى المحكم)، وسيأتى بيانه قريبا ان شاء الله

ننتظر ذلك. ولكن أتمنى أن تبيّن قصة الخلق وتؤلفها من جميع الآيات، بما فيه آية سورة هود (وكان عرشه على الماء) و آيات سورة فصلت ( .. وهي دخان .. ) وآيات سورة النازعات (أأنتم أشدّ خلقا أم السماء .. والأرض بعد ذلك دحاها .. ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير