ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[11 Feb 2010, 11:02 ص]ـ
حتى نستفيد جميعاً مما يكتب في هدوء وسكينة.
هذا هو المرجو فعلا.
شكر الله لكم هذا التدخل الرشيق
والفكرة التي أرجو من فضيلة المشرف تدبرها هو أني أشاركه نفس الإحساس بالانتماء للسلف الصالح عقيدة ومنهجا وأدلة وبرهانا، وأرى إخواني الذين يحاولون الانفراد بهذا الانتماء في حاجة إلى تنبيه وإرشاد.
فمثلا في المبحث الذي نتكلم في الآن قدوتي فيه هو الإمام الطبري وابن ابي زيد القيرواني وغيرهما رحمهما الله تعالى، فهل يستطيع أحد اليوم التشكيك في كونهما على عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان؟؟
وأنا عندما شاركت في هذا الموضوع بينت حقيقة رأي هذين الإمامين، وأنهما يعتقدان استحالة حدوث الكلام ـ القرآن ـ القائم بذات الله تعالى، وأن الله تعالى لم يزل متكلما قبل كون الخلق جميعا كما ينص الإمام الطبري، وأنه يستحيل التغير والحدوث على الكلام القائم بذات الله تعالى، كما يستحيل عليه السكوت، ولم أذكر الأشاعرة إطلاقا.
وهذا ما أريد من إخواني كالمشرف الذين يعتقدون انفرادهم باتباع السلف دون غيرهم، فإن الأمر على خلاف ذلك، فإما أن تخرجوا الإمام الطبري مثلا بهذه الآراء الواضحة الصريحة من دائرة السلف، وتوجهوا له تهم الضلال، معاذ الله، وإما أن تتواضعوا لمراجعة أنفسكم وحقيقة اعتقادكم، حيث إنكم تنصرون عقيدة تناقض ما عليه الإمام الطبري والقيرواني مناقضة تامة باعتقادكم حدوث القرآن في ذات الله تعالى وأنه يتكلم بالصوت في ذاته متى شاء بعد أن لم يكن متكلما بأفراد تلك الحروف والصوات الحادثة القائمة بذاته.
وأريد أن أنبه إلى أن كلام الإمام الطبري في قدم القرآن القائم بذات الله تعالى هو عقيدة جمهور علماء الأمة أتباع الأئمة الأربع، لا الفلاسفة كما يريد البعض إيهام نفسه، وسأذكر لكم الآن كلام إمام حافظ من أئمة علوم القرآن وهو الحافظ السخاوي الذي قال في جمال القراء:
قال الشيخ السخاوي في جمال القراء: كلام الله عز وجل قديم، لم يزل موجودا، وكان قبل إيجاد الخلق غير مكتوب ولا مقروء، ثم بالإنزال كان مقراءا ومكتوبا ومسموعا، ولم ينتقل بذلك من حال إلى حال، كما أن الباري عز وجل قبل خلق العباد لم يكن معبودا، وإنما عبد بعد إيجاد العباد، ولم يوجب ذلك له تغيّرا سبحانه. (ج1/ص246 تحقيق د. علي حسين البواب. مكتبة التراث، مكة المكرمة ط1 1408هـ/1987م)
وقال السخاوي في جمال القراء أيضا: والدليل على أن القرآن غير مخلوق قوله الله عز وجل (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بقول آخر، وأدى ذلك إلى أن لا يوجد منه سبحانه فعل أبدا؛ إذ لابد أن يوجد قبل ذلك الفعل أفعال هي أقوال ليس لها غاية، وذلك محال.
ثم إن المخلوقات قسمان: جسم، وعرض. فلو كان القرآن مخلوقا كان إما جسما وإما عرضا، والجسم يقوم بنفسه، فلو كان القرآن جسما لكان قائما بنفسه، ويلزم من ذلك وجود كلام غير قائم بمتكلم.
ولا يصح أيضا ان يكون عرضا مخلوقا؛ لأنه لو كان كذلك لم يخل أن يقوم بنفس الباري عز وجل، أو بغيره، أوْ لاَ في محلٍّ، والله عز وجل ليس بمحل للحوادث فاستحال أن يخلقه في نفسه.
وكذلك لا يصح أن يخلقه في غيره؛ لأنه كان يكون كلاما للذي خلق فيه وصفة له كالعلم والإرادة المخلوقين في الأجسام ألا ترى أنهما صفتان لمن قامتا به دون الخالق لهما. وكذلك أيضا يستحيل أن يخلقه لا في شيء كما استحال فعل حركة ولون لا في شيء، وأيضا فإنه لو كان عرضا لوجب أن يفنى في الثاني من حال حدوثه، ويلزم من ذلك أن يكون الباري عز وجل في وقتنا هذا لا آمرا بشيء ولا ناهيا عنه ولا مخبرا بشيء، وذلك خلاف ما عليه الأمة. ((ج1/ص48،49 تحقيق د. علي حسين البواب. مكتبة التراث، مكة المكرمة ط1 1408هـ/1987م)
فهذه هي الأدلة التي مشى عليه الأئمة كالطبري إلى هلم جرا، وهي ليست أدلة فلسلفية معاذ الله، بل هي أدلة قرآنية أصالة، وقد اعتمدها جمهور علماء الشريعة الإسلامية التي لا يسعنا إلا احترام رأيهم إن لم تعتبره إجماعا تحرم مخالفته.
وختاما أرجو من المنصفين البحث والتحري في هذه المسألة الدينية الاعتقادية، وأن لا يتخذوا كلامي وكأني من أنشأه أو اختلقه معاذ الله، بل هو كلام الأئمة الجهابذة بدءا من الإمام الجبل ابن جرير الطبري الإمام السلفي الذي لا يشكك أحد في سلفيته الصحيحة، مرورا بكل العلماء الذين كان لهم دور في وصول هذا الدين سليما لنا، ووصولا إلى كل من أراد اتباع الحق في عصرنا.
وأقول كنصيحة من القلب:
ما يضر لو قام بعض أعلام المدرسة السلفية المعاصرة من المعتدلين المتنورين بنور العلم بمراجعة الذات، ومراجعة هذه المسائل التي ظهور مخالفتهم فيها لجمهور علماء الأمة واضح وضوح الشمس؟؟
إن مراجعة هذه المسائل وغيرها كفيل بتقليص الخلاف بين المسلمين، فإنا مثلا إذا اتفقنا على مرجعية الإمام الطبري مثلا وتحاكمنا إلى فهمه وعقيدته، بناء على اعتباره إماما يقتدى به، فسينعدم الخلاف في هذه المسألة مثلا، وسيكون الجميع متبعين لللسلف الصالح في هذه المسألة الخطيرة، لا للأشعري ولا لابن تيمية ولا للماتريدي حيث جاؤوا بعده وهم أعلم منهم بعقيدة السلف الصلاح.
أما إذا اختار إخواننا عدم اتباع الإمام ابن جرير الطبري، واعتباره مخطئا معطلا مبتدعا حاشاه ثم حاشاه، فتلك هي المصيبة التي لا تعزز إلا الفرقة والشقاق إلى أن يأتي الله بأجيال تدرك قيمة الإمام الطبري حق الإدراك، لا تتخذخ فقط شعارا وتخالفه في الأصول.
اللهم اهدنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك.
¥