تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ألا ترى أن الراوي قد قال: "أحسبه قال "والمجاهدون". وموقع عبارة "والمجاهدون" في الآية بعد قوله تعالى " غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ". أي أن الراوي لا يعلم إن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد وصل قوله (لاَ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بقوله (وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ) متجاوزا قوله (غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ) أم لا؟ وهذا ما يجعل الباحث يعول على عدم ضبط ألفاظ الحديث في حل هذا المشكل.

ومما يقوي أن النزول لم يتأثر بشكوى ابن مكتوم أنه حين شكا همس إليه الصحابة رضوان الله عليهم بأن يكف فخاف؛ إذ جاء في ابن حبان (فقام الأعمى فقال: رسول الله ما ذنبنا؟ فأنزل عليه فقلنا للأعمى إنه ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخاف أن ينزل عليه شيء من أمره فبقي قائما ويقول أعوذ بغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم)

وفي مسند أبي يعلى أن ابن مكتوم شكا لحظة النزول فنزلت الآية كاملة بما فيها عبارة (غير أولي الضرر) ثم لما ذهب الوحي قال النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدا للكاتب: اكتب (غير أولي الضرر) ليجبر خاطر ابن مكتوم وقد خاف، وهو الذي عاتبه فيه ربه من قبل

ورواية أبي يعلى هي: (قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل عليه وكان إذا أنزل عليه دام بصره مفتوحة عيناه وفرغ سمعه وقلبه لما يأتيه من الله قال: فكنا نعرف ذلك منه فقال للكاتب: اكتب: " لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" قال: فقام الأعمى فقال: يا رسول الله ما ذنبنا؟ فأنزل الله فقلنا للأعمى: إنه ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم فخاف أن يكون ينزل على شيء من أمره فبقي قائما يقول: أعوذ بغضب رسول الله: قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للكاتب: اكتب: (غير أولي الضرر)

ومن المعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه القرآن فيسمعه ويحفظه ثم يذهب الوحي فيدعو النبي صلى الله عليه وسلم من يكتبه فيكتبونه من حفظ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ودليل حفظه أنه كان في بداية الوحي يحرك شفتيه مع الوحي ليحفظه فنهي عن ذلك ووعده الله بتحفيظه كما جاء في القرآن، ولكن كثيرا من الروايات السابقة التي تذكر قصة ابن أم مكتوم بخلاف ذلك؛ إذ تجعل النزول والكتابة في لحظة واحدة، وإذا كانت هذه الآية قد نزلت كاملة ثم كتبت فإن هذا يؤكد ما ذكر سابقا من أن ابن مكتوم شكا عند نزولها قبل تمامها ثم لما نزل العذر في تمامها – أكد النبي للكاتب ذلك؛ ليطمئن ابن مكتوم وتقر عينه، ومعلوم أن لابن مكتوم رضي الله عنه مكانة وتقديراً كبيرًا عند النبي صلى الله عليه وسلم منذ أن عاتبه الله فيه بمكة، وقد كانت عائشة رضي الله عنها تقطع له الأترج و تطعمه إياه بالعسل إكراما له كما روى الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الأوسط

ومن العجيب أن الروايات التي تذكر الآية كاملة مع قوله "غير أولي الضرر " في المرة الأولى تذكر نزول قوله "غير أولي الضرر " في المرة الثانية كأنما تتكرر عبارة"غير أولي الضرر "

ففي رواية الحاكم وأبي داود وابن حبان عن زيد بن ثابت (فقال: اكتب فكتبت في كتف: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله" إلى آخر الآية فقام ابن أم مكتوم ........ فقال " أي النبي صلى الله عليه وسلم ": اقرأ يا زيد فقرأت "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غير أولي الضرر" الآية كلها) مما يدل على أنه قالها تأكيدا قبل أن يتم زيد قراءتها، وجاء في بعض الروايات "اكتب" بدلا عن "فنزل" مما يدل على تأكيدها عند الكتابة. وقد يدل هذا الحديث أيضا على أن زيد عندما قرأ الآية تجاوز قوله تعالى " غير أولي الضرر" فصححه النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد زيد كتابتها من جديد؛ فإن كان هذا المعنى صحيحا فإنه يحل المعضلة الآتية وهي قول زيد عن الآية "فألحقتها و الذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع في كتف" هذا وإن كنت أرى أن المعنى الأول أقوى وأولى وهو: أن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى " غير أولي الضرر" كانت تأكيدا لا تصحيحاً لزيد

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[15 Feb 2010, 04:03 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير