وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ). .. الآية، يقول: ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلا استمعوه وهم يلعبون ".
6) وقال الإمام الفقيه المحدث محي السنة البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره: " يعني ما يحدث الله من تنزيل شيء من القرآن يذكرهم ويعظهم به ".
7) وقال الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله تعالى: " أي: جديد إنزاله ".
8) وقال العلامة الفقيه محمد سالم ولد عدود الشنقيطي رحمه الله تعالى في عقيدته التي صدر بها نظم مختصر خليل:
يُحْدِثُ مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقٍ وَمِنْ = ذِكْرٍ، فَمَا أَحَدَثَ مِن ذِكْرٍ يُقِنْ
أنْ لَيسَ مَخْلُوقَاً لأنَّ الُمحْدَثَ الـ= إنزَالُ، أمَّا الذِّكرُ فَهُو لَمْ يَزَلْ (5)
فهذه تفاسير أئمة السنة، ليس فيهم مبتدع يفسر كلام الله تعالى بمذهبه، ولا جاهل باللغة أُتِي من قبل العُجمَةِ.
فقول الشيخ عن هذا التفسير: إنه تحريف، خطأ عظيم.
أما ما فسر الشيخ به الآية، وهو أن القرآن حادث، يتكلم الله به حين إنزاله، وهو معنى أن الله يحدثه الله في ذاته، فلم أجد أحداً من السلف فسر الآية به، لا في كتاب تفسير ولا في كتاب اعتقاد.
حتى إن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، الذي يقول بأن القرآن أحدثه الله تعالى في ذاته، ويستدل بهذه الآية على ذلك – في مواضع – لم ينكر هذا التفسير، ولم يجعله تحريفاً!.
قال: " الْمُحْدَثَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ هُوَ الْمَخْلُوقَ الَّذِي يَقُولُهُ الجهمي، وَلَكِنَّهُ الَّذِي أُنْزِلَ جَدِيدًا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ يُنَزِّلُ الْقُرْآنَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَالْمُنَزَّلُ أَوَّلًا هُوَ قَدِيمٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُنَزَّلِ آخِرًا " (6).
والله تعالى أعلم.
ـــــــــــــــ
(1) الرد على الزنادقة والجهمية.
(2) خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل للبخاري (2/ 62).
(3) أخرجه الهروي في الفاروق بسنده إلى حرب، كما في فتح الباري.
(4) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة ص234 - 235.
(5) http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=82562
( 6 ) مجموع الفتاوى (12/ 522).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحببت أن أزاحم بركبتي هذا النفر من الفضلاء فأضيف تعليقا على موضوع قد فكرت فيه من قبل. وأجدني ملزما أولا أن
أشكر الأخ مورد الموضوع وإن كان قد جانف الصواب فأيّد ما ورثه عن آبائه وغفل عما فتحه الله تعالى على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله،
كما أشكر الإخوة الذين أثروه بتعليقاتهم النافعة وإيرادهم أنّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى قد رجع عن بعض قوله.
والصواب أن الشيخ رحمه الله قد رجع عن شيء واحد فقط وهو أنه كان يعتقد أن ذكر القرآن فقط - لا القرآن كله- هو المكتوب في اللوح المحفوظ
ثم رجع إلى ما قرره شيخ الإسلام من أن القرآن كله مكتوب في اللوح المحفوظ.
وبقي الشيخ متحررا من بدعة فهم "غير مخلوق" على خلاف ما تعنيه حقيقة وهي
أنها تعني فقط "ولا يوصف بمخلوق"
ويظل كلام الشيخ في شرحه على السفاريني صوابا لا غبار عليه.
ذلكم أنه قد حصل سوء فهم لدى من جاء بعد أحمد بن حنبل كأبي الحسن الأشعري وغيره، حيث أن الإمام أحمد قد أنكر أن يوصف القرآن
بـ"ـمخلوق" لأنه وصف لم يرد لكتاب الله تعالى في قرآن ولا سنة. ففهم كثير ممن جاء بعده منذ القرن الثالث الهجري أن القرآن "قديم"
وأن غير مخلوق تعني أكثر مما "لا يوصف بمخلوق"!!!. واحتدت المسألة في المئة الرابعة حتى قرر الخليفة القادر في مطلع المئة الخامسة
"من قال بخلق القرآن فهو حلال الدم". وبدّع بعضُ الناس من "توقف في القرآن" فقال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق. ظنا منهم أن تقرير أنه
"قديم لازم من كون الكلام صفة المتكلم". وهذا القول قد امتص طاقات الأمة لألف سنة وهو في الواقع بدعة مقابلة لبدعة من وصف القرآت بما لم
يصفه به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
لكن البدعة في استخدام لفظ صحيح المعنى هي أدنى من تخيُّل معنى لم يرد عن الله
¥