ـ[محمد براء]ــــــــ[25 Feb 2010, 12:00 ص]ـ
الدكتور الفاضل عبد الرحمن:
أرجو منك أن تتأنى قليلاً في الحكم في مثل هذه المسألة العظيمة التي اضطربت فيها أقوال أهل الأرض، فكلامك يدل على تقصير في النظر في كلام أحمد وغيره من أئمة السنة.
فالنقل عن الإمام أحمد في تكفير من قال بخلق القرآن مشهور عنه، فانظر إن شئت في ذلك كتاب السنة لابنه عبد الله أو كتاب السنة للخلال أو شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، وليست المسألة مجرد مسألة لفظية كما تفضلت، وإلا فلماذا يعرض نفسه للسجن والأذى من أجل مسألة لفظية؟!
لكن ليس هذا موضع مناقشة رأيك، فأرجو منك إن أردت أن تطرح رأيك أن تكتبه في موضوع آخر، إنما المقصود هنا فقط: أن الشيخ ابن عثيمين بريء من القول بخلق القرآن بل يضلل من قال بذلك، فأين كلامه من كلامك؟!
قال رحمه الله في شرحه على الواسطية (1/ 427 - 428): " وعقيدة أهل السنة والجماعة في القرآن؛ يقولون: إن القرآن كلام الله، منزل، غير مخلوق منه بدأ، وإليه يعود.
- قولهم " كلام الله ": دليله: قوله تعالى هنا: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: 6]، وبما يأتي من الآيات.
- وقولهم: "منزل": دليلة قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185]، وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وقوله: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء:106].
- وقولهم: " غير مخلوق ": دليله: قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]؛ فجعل الخلق شيئا والأمر شيئا آخر؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، والقرآن من الأمر؛ بدليل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52]؛ فإذا كان القرآن أمرا، وهو قسيم للخلق؛ صار غير مخلوق؛ لأنه لو كان مخلوقا؛ ما صح التقسيم. وهذا دليل سمعي.
أما الدليل العقلي؛ فنقول: القرآن كلام الله، والكلام ليس عينا قائمة بنفسها حتى يكون بائنا من الله، ولو كان عينا قائمة بنفسها بائنة من الله؛ لقلنا: إنه مخلوق، لكن الكلام صفة للمتكلم به، فإذا كان صفة للمتكلم به، وكان من الله؛ كان غير مخلوق؛ لأن صفات الله عز وجل كلها غير مخلوقة.
وأيضا؛ لو كان مخلوقا؛ لبطل مدلول الأمر والنهي والخبر والاستخبار؛ لأن هذه الصيغ لو كانت مخلوقة. لكانت مجرد أشكال خلقت على هذه الصورة لا دلالة لها على معناها؛ كما يكون شكل النجوم والشمس والقمر ونحوها " اهـ المقصود من كلامه.
و في فتاوى الشيخ في برنامج نور على الدرب:
جزاكم الله خيراً هذه السائلة دعاء م. ع من جمهورية مصر العربية البحيرة تقول في هذا السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل السنة والجماعة قالوا بأن من قال: إن القرآن محدث فهو كافر، وإن القرآن ليس مخلوقاً. فما معنى أن القرآن ليس محدثاً وليس مخلوقاً؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما من قال: إن القرآن مخلوق، فهو مبتدع ضال؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل، و كلام الله من صفاته، وصفات الخالق غير مخلوقة، وقد أنكر أئمة أهل السنة على من قال ذلك- أي: على من قال: إن القرآن مخلوق- إنكاراً شديداً، وحصلت بذلك الفتنة المشهورة التي جرت في زمن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، حتى إن بعضهم- أي: بعض الأئمة- أطلق الكفر على من قال: إن القرآن مخلوق، ولا شك أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد أبطل الأمر والنهي؛ لأنه إذا كان مخلوقاً فمعناه أنه شيء خلق على هذه الصورة المعينة، فهو كالنقوش في الجدران والورق وشبهها لا يفيد شيئاً، إذ ليس أمراً ولا نهياً ولا خبراً ولا استخباراً. وأما من قال: إن القرآن محدث، فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ). نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق فهنا لا نخاطبه بذلك، ولا نقول: إنه محدث، خشية أن يتوهم ما ليس بجائز ".
فهل توافق الشيخ على كلامه؟!.
إن كان: نعم، فالحمد لله فليس بيننا خلاف.
وإن كان لا، فأرجو منك أن تكتب رأيك في المسألة في غير هذا الموضع، وأناقشك فيه هناك إن شاء الله، لأن هذا الموضوع لمناقشة كلام الشيخ ابن عثيمين في تفسير قوله تعالى: " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ "، وليس لعرض آراء أعضاء الملتقى في مسألة خلق القرآن.
أما الأخ إبراهيم، فليس مرادي من مشاركتي السابقة السخرية كما ظننت، وليس هذا لي بخلق، وإن كنت طلبت الفائدة من العبد الفقير، فهذا من كريم خلقك وحسن ظنك، فأبشر بذلك، ولعلني أكتب مزيد شرح لموضع الانتقاد من كلام الشيخ رحمه الله إن شاء الله تعالى.
¥