وعبادنا وردت كذلك ومنها:
"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ " [فاطر/32]
ثم الأحداث العجيبة التي وقعت بين العبدين الصالحين (موسى والخضر) بعد لقائهما قرب مجمع البحرين لا تستقيم في تصور الإسلام إلا أن تكون أفعالاً من وراء الوحي الإلهي .. وإلا أن يكون موعداً ضربه الله للعبدين الصالحين بعلامات مذكورة لنا في جانب موسى فقط، وهو الذي يهمنا، ونفهم أن الخضر عنده علامات أيضاً (أن يظل عند الصخرة) .. وإلا لتتعلم البشرية من هذا اللقاء قدر البشرية القاصرة في علومها عن العلم الإلهي المحيط بكل شيء ..
الخضر هنا متبع للوحي ولا ريب .. وليس هو هو الوحي الذي نزل على موسى (الشرائع)، وليس هو هو الوحي الذي ألهمه الله تعالى لأم موسى (أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم).
وإنما هو وحي مقتضاه تنفيذ أمور قدرية من حكمة الله .. لا ينظر إليها موسى عليه السلام إلا منكراً أو معترضاً ..
أليس هذا وحياً تفصيلياً من أمر الله تعالى .. أليست هذه نبوءة؟ ..
أوردت حديثا فيما سبق يرد على هذا الإشكال.
وكذا في المداخلة السابقة.
نفي الحق يستلزم ظهور الباطل، وقد حصل من نفي نبوءة الخضر في هذا السياق أن ظهرت نظريات باطنية باطلة مفادها أشياء تخالف شرعة الله وكتبه السماوية وآثار أنبئائه وأوليائه هي والله أشبه بالأساطير والخرافات والصحون الطائرة: أن هناك حكومات خفية وأوتاداً وأقطاباً وأولياء وصوفية وثنية .. وأن قوى الأولياء هي أعتى علماً وقوة من النبيئين وأمهر تصرفاً في الكون والحقائق من كل أحد ...
لا علاقة للأمر بالباطنية. فالخضر إما ورد ما ينص نبوته. وإما لم يرد ما يؤكد. وأرى أن ما يستدل به لا يصل الى دليل قوي. بل دليل يجاب عليه بالكثير مما يرده.
فالباطنية حقيقة إنما يستشكلوا علينا استشكالا. وحقيقة هم أهل باطن.
أما تعلم الفاضل من المفضول وإتباعه أو الإقتداء به في الصلاة أو كونه جنديا في جيشه فقد ورد من الآيات والأحاديث ما يدلل على ذلك.
فقصة طالوت كان في جيشه نبي بالإضافة الى شاب هو داود عليه السلام.
أما الإقتداء في الصلاة فهي صلاة النبي خلف ابو بكر رضي الله عنه ثم رجوع ابو بكر ليصل الصف وقول النبي له بعد ذلك يدلل على الجواز:
" عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ وَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ فَأُقِيمَ قَالَ نَعَمْ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ التَّصْفِيقِ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ امْكُثْ مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ حَتَّى اسْتَوَى فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لِي رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ التَّصْفِيحِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّهُ إِذَا سَبَّحَ الْتُفِتَ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ"رواه البخاري
¥