تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلا يصح أن يقال: إن المنطوق مجهول المعنى بحيث لا يفهم العرب هذه الحروف من تلك الأسماء، وإنما وقع الخلاف في دلالتها وعلة ذكرها في القرآن (33).

قال ابن العربي (ت: 543هـ): " أن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم إلى الخلق بمعجز تحدى به العرب خاصّة وهو القرآن، واستفتح بعض سوره بهذه الحروف المقطعة، والعرب قد شنفت له، وقومه جراءة عليه، يرقبون منه زلةً، ويتربصون به سقطة، فلو كانتْ هذه الحروف سالكةً سبيل الإشكال غير داخلة في فنٍّ من فنون فصاحتهم، لا تهتدي إليها معارفهم، ما تركوه أن ينتقل عنها شبراً حتى يحدث لهم فيه ذكراً، ويظهر إليهم بها علماً، وقد قال للمبتدئين منهم بالإذاية، المشتهرين بالكناية، المستهزئين لكل دليل وآية: (ص والقرآن ذي الذكر) [ص: 1] (حم تنزيل من الرحمن الرحيم) [فصلت: 1 ـ 2]، والأندية حافلة بالأعادِ، والنفوس متشوقة إلى عثرةٍ من الحُسَّادِ، فأذعنوا لفصاحة القول باتفاق، ولم يقولوا: هذا اختلاط، بل قالوا: هذا اختلاق ... فنقول: لما رأينا العرب الأعادي والأولياء والشادين والعلماء لم يقدحوا فيه ولا مالوا عنه قطعنا على أنه كان مفهوماً عندهم جارياً على سبيل العربية" (34).

إذا ثبت أن معاني أسماء هذه الحروف معلومة للمخاطبين، فإنها لا تكون من المتشابه من حيث معناها في لغة العرب، فهي معلومة لدى الجميع.

وأما ما وراء ذلك من الأسرار والحِكَمِ مِنْ ذِكْرِها وما تدل عليه فقد اختلف العلماء في ذلك.

بيان الخلاف في المسألة:

بعد ما تقدم فإن العلماء قد ذكروا الخلاف في هذه الأحرف المقطعة في مقامين:

المقام الأول:

هل هي مما استأثر الله بعلمه، أو لا (35)؟.

ويمكن تلخيص ذلك الخلاف كما يلي:

القول الأول: أنها مما استأثر الله بعلمه:

والمعنى: أنه لا يعلم أحدٌ سِرَّ ذكرِها في القرآن، فرَدُّوا عِلْمَها إلى الله تعالى، وقالوا: هي سِرُّ الله في القرآن، ولله في كل كتاب من كتبه سِرٌّ، وهي من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه.

ذَكَرَ هذا القول ابنُ جرير الطبري (ت: 310 هـ) ولم ينسبه إلى أحد، وجعله آخر أقوال المفسرين في تفسير الحروف المقطعة، ولم يُعلق عليه (36).

ونَقَلَ بعضُ المفسرين هذا القول عن أبي بكر (37)، وعمر (38)، وعثمان (39)، وعلي (40)، وابن مسعود (ت: 32 هـ) (41) رضي الله عنهم.

ونقل أيضاً عن عامر الشعبي (ت: 103 هـ) (42)، وسفيان الثوري، والربيع بن خثيم، وجماعة من المحدثين، واختاره أبو حاتم بن حبان (43)، وابن حزم (44).

وقال أبو حيان: "والذي أذهبُ إليه: أن هذه الحروف التي في فواتح السور هو المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وسائر كلامه تعالى محكم " (45)، ومال إليه الشوكاني (ت: 1251 هـ) (46).

وعلى هذا القول تكون علة ذكر هذه الأحرف من المتشابه على القول بأن المتشابه هو ما استأثر الله بعلمه (47).

التعليق على هذا القول:

أولاً: أن النقل عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود (ت: 32 هـ) رضي الله عنهم غيرُ ثابتٍ، ولعل أول من نقل ذلك عنهم الثعلبيُّ (48)، والسمرقنديُّ (49)، ولم يرتض عددٌ من العلماء هذا النقل:

قال ابنُ عاشور (ت: 1393هـ): " ونُسب هذا إلى الخلفاء الأربعة في روايات ضعيفة" (50).

ولم أجد هذه الأقوال منسوبة إليهم بسند صحيح، ولم يوردها السيوطيُّ (ت: 911 هـ) في الدر المنثور. وقال البيضاوي: "وقيل: إنه سر استأثره الله بعلمه وقد روي عن الخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة ما يقرب منه، ولعلهم أرادوا أنها أسرار بين الله تعالى ورسوله ورموز لم يقصد بها إفهام غيره إذ يبعد الخطاب بما لا يفيد" (51).

ثانياً: أن النقلَ ـ مع عدم ثبوته ـ مختلفٌ عنهم:

فقد روي عن علي (ت: 40 هـ) رضي الله عنه أنه قال: " هو اسم من أسماء الله تعالى، فُرَّقِتْ حروفُه في السور" (52).

وروي عن ابن مسعود (ت: 32 هـ) رضي الله عنه أنه قال في (ألم): "حروفٌ اشْتُقَّتْ من حروف هجاء أسماء الله". وأنه قال فيها أيضاً: "هو اسم الله الأعظم" (53).

ثالثاً: أن أغلب نصوص كلامهم رضي الله عنهم تدلُّ على أن لهذه الأحرف سراً، وهذا لا خلاف فيه، فلها سرٌّ وحكمةٌ يعلمها الله تعالى:

- قال أبو بكر رضي الله عنه: " في كل كتاب سر وسر القرآن أوائل السور " (54).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير