تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

3. أن كل حروف مركبة منها هي أسماء الله. فقد رُوي عن علي (ت: 40 هـ) رضي الله عنه أنه كان يقول: " يا (كهيعص) اغفر لي" (74).

والقاعدة في ثبوت الأسماء لله تعالى تُبطل هذا القول، فإن القاعدة أن أسماء الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة (75).

النوع الثالث:

أنها حروف هجاء مقصودة بأسمائها لأغراض داعية لذلك: وهذا هو القول الصحيح، وسيأتي الحديث في حِكم ذكرها بقطع النظر عن معناها.

المقام الثاني:

ما الحكمة من إيراد هذه الحروف في أوائل السور؟

وقد اختلف العلماء في حكمة ذلك مع قطع النظر عن معناها، إلى أقوال منها:

1. أنها بيان لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع كونه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها (76).

نقل هذا عن جمع من العلماء، وقرره الزمخشري (ت: 538 هـ) ونصره (77)، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ) (78)، والحافظ المزي (ت: 742 هـ) (79)، وساق ابن كثير (ت: 774 هـ) عدداً من الآيات الدالة على هذا الوجه ثم قال: " وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر والله أعلم " (80)، ورجحه أيضاً الشيخ الأمين الشنقيطي (ت: 1393هـ) (81).

وقال ابن عاشور (ت: 1393هـ): "خلص أن الأرجح من تلك الأقوال ثلاثة وهي: كون تلك الحروف لتبكيت المعاندين وتسجيلاً لعجزهم عن المعارضة، أو كونها أسماءً للسور الواقعة فيها، أو كونها أقساماً أقسم الله بها لتشريف قدر الكتابة وتنبيه العرب الأميين إلى فوائد الكتابة لإخراجهم من حالة الأمية. وأرجح هذه الأقوال الثلاثة هو أولها" (82).

2. ليعرف بها أوائل السور (83).

قال ابن كثير (ت: 774 هـ): " وهذا ضعيفٌ لأن الفصل حاصلٌ بدونها فيما لم تُذكر فيه، وفيما ذُكرتْ فيه: البسملةُ تلاوةً وكتابةً" (84).

3. أنها ذكرت في بداية السور لتفتح أسماع المشركين لاستماعها إذ تواصوا بالإعراض عن القرآن، حتى إذا استمعوا له؛ تلا عليهم المؤَلَّفَ منها (85).

قال ابن كثير (ت: 774 هـ): " وهو ضعيف أيضاً لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور، لا يكون في بعضها، بل غالبها ليبس كذلك، ولو كان كذلك لانبغى الابتداء بها في أوائل الكلام معهم سواء كان افتتاح سورة أو غير ذلك. ثم إن هذه السورة والتي تليها ـ أعني: البقرة وآل عمران ـ مدنيتان ليستا خطاباً للمشركين؛ فانتقض ما ذكوره بهذه الوجوه" (86).

4. أن الله أقسم بها تنويهاً بها لأن مسمياتها تألفت منها أسماء الله تعالى وأصول التخاطب والعلوم. كما أقسم الله بالقلم تنويهاً به (87).

قال ابن عباس (ت: 68 هـ) في قوله: (طس) وقوله: (طس): " قسم أقسمه الله وهو من أسمائه " (88).

وقال عكرمة (ت: 105 هـ): "هو قسم" (89).

الراجح:

الذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحرف المقطعة الواردة في القرآن، هي حروف الهجاء المعروفة عند العرب، ويُنطق عند القراءة بأسمائها، الدالة عليها، ولم يقع استنكار لها عند العرب، وهذه الحروف رموز مجردة لا معنى لها عند العرب، ولم يرد نقلٌ صحيح يدلُّ على أنها لها معانٍ عندهم، وأما نزولها في القرآن فله حكمة وسرٌّ كما حُكي ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وليست تلك الحِكَمُ والأسرار من قبيل بيان المعاني، فهي من باب ذكر الحِكَم، وهذا خارج عن حدِّ التفسير، فلا علاقة له بآية آل عمران، وعليه فإن تفسير هذه الأحرف لا دخل له في المتشابه، لما يلي:

1 - أن الحديث في هذه الأحرف المقطعة ليس من قبيل تفسير المعنى، وإنما من باب ذكر حكمة ورودها في القرآن. وحديث آية آل عمران ليس في العلل وإنما في التأويل وهو إما المعنى أو حقيقة ما يؤول إليه الأمر، وكلا المعنيين غير واردين في هذه الأحرف.

2 - أنه على القول بأنه لا يعلم سر ذكرها إلا الله تعالى، فإنها غير مختصة بذلك، فكثير من الأحكام هي من هذا القبيل، وهي ما يعبر عنه العلماء بأنها تعبدية، غير معقولة المعنى، ولم يقل أحدٌ من العلماء: إن الآيات التي ذكرت تلك العبادات من المتشابه. بل هي من المحكمات.

وكذلك فاختصاص كثير من الجمل في بعض السور دون غيرها وسر ترتيب الآيات في السور، كل ذلك مما له سرٌّ يعلمه الله تعالى، والله تعالى أعلم.

الخميس 11/ 3 / 1431هـ

ــــــــ

الحواشي:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير