بعد أسبوع ستنفرج الغمة قليلاً بإذن الله , فلم يبق بيني وبين الامتحان إلا يوم غد لأدخل في أيام الامتحان، وما هو إلا أسبوع وينتهي الامتحان , السبت للغة الانجليزية , والأحد خالٍ من الامتحان، والاثنين للدكتور بشر , والثلاثاء للدكتور عبد الصبور شاهين , والأربعاء للدكتور الجرح، والخميس مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم إن شاء الله سيكون لي , لأتخفف من أتعاب الأيام القاسية وأخلد للراحة أياماً , وأدعو الله أن يوفقني في اجتياز هذا الامتحان، وأن يجعله آخر امتحان لي في الدنيا , نعم لو أني اجتزت هذا الامتحان بنجاح فسيكون آخر امتحان لي وستنفتح لي الأبواب كي أدخل ميادين العلم من أين شئت , وأجد نفسي الآن أكثر استعداداً للامتحان , وأجدني أكثر تفاؤلاً من الأيام السابقات , فقد مضى أكثر من شهرين وأنا أدرس المحاضرات دراسة جادة حتى كدت أضجر وأَمَلَّ، ولكن كلما قرب الامتحان ازداد الدافع للقراءة وقَوِيَ، وهاأنذا أوشك أن أدخل الامتحان , ولكن هل يمكن أن أنسى هذه الأيام من التعب والقلق وفقدان نوم الظهيرة؟ حتى لو نجحت، وهذا أملي، ما يكون لي أن أنسى هذه الأيام من العمل التي سأراها جميلة يوماً ما إن شاء الله، وأما إذا تأخرت في الامتحان فمعنى ذلك أن المصيبة ستجدد وأن ذكرى هذه الأيام الثقيلة ستمتد وسأكون قد ذقت مرارة الفشل، وخابت آمالي وآمال أحبتي، ومن الله العون والتوفيق.
انقضاء ساعات العسرة
الجمعة 19 تموز 1974م = 29 جمادى الآخرة 1394هـ
اليوم أقف على الشاطئ، وغداً أبدأ (العبور) إن شاء الله، ولكن كم تصورت أن المدة طويلة حتى أصل إلى الشاطئ، فقد مرت عليَّ أيام كنت أتضايق جداً من الساعات المعدودات التي أقضيها أعمل في الكتب، وكنت أتصور أن المدة ستطول بل ربما لن تنتهي، ولكن سنة الله في الخلق تجري على نظام ثابت، الزمن لا يقف إذا وقف الناس أو تمنوا ذلك، ولا يَعْجَلُ إذا عَجِلَ الناس أو تَمَنَّوْا ذلك، إننا نحن الذين نخلع على الزمن العجلة والوقوف، الساعات التي نستعذبها نشعر أنها تمر سريعة، والساعات التي نستصعبها نشعر معها أن فلك الكون قد توقف فهو لا يتحرك، ولكن هذه هي مصيبة الإنسان حتى يأخذه الموت، والسعيد السعيد من حسب للموت حسابه وعمل لما بعده، بدأت أشعر الآن أني قضيت في حياتي الدنيا فترة قد صارت طويلة في نظري الآن (25 عاماً) (2) كم شاهدت من الأحداث والناس، وكم عاصرت من الأمور التي استصعبتها ولكن مضت، كنت صغيراً أعيش في البيت مع إخوتي وألعب مع أولاد الجيران، وأذكر بعض ذكريات القرية، واليوم قد باعدت بيننا الدنيا وغداً إذا شاء الله ومد في الأعمار سيكون البعد أكثر سيكون لكل واحد منا بيت وأولاد، ونكون كما نجد بيتنا الآن وبيوت عمومتنا، وهكذا يولد الأبناء في البيت لينفصلوا ثم يكوِّنوا بيوتاً تنفصل، هكذا هي سنة الله في حياة الناس، ولكن لا أسعد في ذلك كله من البيوت المسلمة.
الامتحان الأول
السبت 20 تموز 1974م = 30 جمادى الآخرة 1394هـ
كان موعد الامتحان الساعة الثالثة بعد الظهر , ولا شك في أنها ساعة غير مناسبة، حتى لو كان الفصل شتاء , فهي ساعة يميل الإنسان فيها دائماً إلى الهدوء قليلاً بعد أتعاب النهار لينشط من جديد في آخره , فإذا اجتمع إلى ذلك حر الصيف صار ذلك لا يطاق , وهذا ما حصل فعلاً اليوم , ففي الساعة الثالثة الحر على أشده، خاصة أن درجة الحرارة هذه الأيام في ارتفاع ولا ريح ولا نسمة هواء , ولكن هذه المضايقات الجانبية لا تساوي شيئاً إلى جانب أمر الامتحان ذاته, كان الممتحنون هذا اليوم حوالي مئة من كل الأقسام، إذ إن مادة اللغة الانجليزية مشتركة بين طلبة السنة التمهيدية للماجستير لكل الأقسام، ومع أن الجميع في سن لا تقل عن خمس وعشرين سنة فإنهم جميعاً كانوا خائفين من الامتحان بلا استثناء، والله أعلم , ودخلنا القاعة ووُزِّعَتِ الدفاتر وخفقت القلوب عندما رأت ورقة الأسئلة , واستلمت الورقة بهدوء وما أن قرأت ما فيها قراءة سريعة حتى تصبب من جبيني عرق الأتعاب الماضية، وهدأت كثيراً رغم حرارة الجو فلم أجد في الورقة شيئاً لا أعرف جوابه، ربما لا يكون الجواب صحيحاً مئة في المئة، ولكن المهم أني أجبت وكأني أنقل من كتاب، ولم تطل الإجابة أكثر من 35 دقيقة ,
¥