هذا ما عندي
فما كان فيه من صواب فمن الله
ومن كان فيه من خطأ فأبرأ إلى الله منه
وأستغفره سبحانه
فهو أرحم أعلم وأجل وأحكم وأخبر
ـ[أبو تيمية]ــــــــ[19 Apr 2004, 07:27 م]ـ
أرى و الله أعلم أنه لا إشكال إن شاء الله، إذا علمنا أن الرؤية في قوله تعالى (أو لم ير) هي بمعنى العلم، فجملة (أن السموات .. ) سدت مسد مفعولي الرؤية، و لهذا كانت الرؤية هنا بمعنى العلم كما قرره غير واحد من المفسرين.
و المعنى ألم يروا بقلوبهم و بصائرهم، أو (أو لم يعلموا)، و الرؤية العلمية كثيرة في القرآن ...
فليست الرؤية بمعنى الشهود و المعاينة ..
و قول أخينا (أخوكم) عن القول الأول: إن فيه الاستدلال بشيء غائب على شيء غائب، فيه بعض نظر، من حيث إن حقيقة ما ذكر في الآية هو الاستدلال بشيء واقع قد تم و حصل، لتقرير شيء مجحود لديهم ...
فأولا: العلم بحصول الرتق و الفتق بالمعنى الأول، لا يلزم أن يكون حاصلا للكفار وقتئذ، و يكفي حصول المعنى الثاني المدرك بالرؤية البصرية ..
فالخطاب عام شامل لمن كان كافرا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و لمن بعدهم إلى أن تقوم الساعة، فالقرآن كتاب للجيل الأول و للأجيال التي بعده، و ظاهرة تنوع المعنى من اللفظ الواحد هي من إعجاز هذا الكتاب، و الأصل حمل القرآن على جميع تلك المعاني ما دام اللفظ و السياق يحتملها، دون معارضة، و هي طريقة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
كذلك يقال: إن المعنى الأول مدرك منه القسم الثاني المضموم إلى ما قبله بالعطف عليه في قوله (و جعلنا من الماء كل شيء حي) فكثير من معنى الآية كان واقعا ملموسا محسوسا لديهم، فلا إشكال إن كان المستدل به مجموع المعنيين!
و قد أقسم الله في جملة ما أقسم به بالبيت المعمور و العلم به ليس عاما، إنما يحصل لطائفة منهم، و هو المؤمنون بالشرائع، أقسم به على شيء لم يقع بعد، هم يجحدونه، لكن المقسم به جاء ضمن جملة من المقسمات، و كذلك قسمه بالبحر المسجور في قول من فسره بأن ذلك حاصل يوم القيامة حيث تسجر البحار، كما في قوله تعالى (إذا البحار سجرت).
و إن كان المترجح لدي رأيا آخر اخترته في رسالة أفردتها للآية.
كذلك في قوله في سورة الأحقاف (أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير)
فليس كل الكفار مؤمنين بما ذكر، فالدهريون و الملاحدة لا يؤمنون بذلك، و كذلك اليهود المفترون على الله، يقولن بالإعياء و التعب، فالمراد بعض الكفار لا جميعهم، و هم من يصلح إيراد هذه الملازمة عليهم.
كذلك في التي سبق، فبعض الكفار يلزمهم المعنى الأول، و ليس عندنا دليل ينفي علم أهل الكتاب و غيرهم و إيمانهم بظاهرة الفتق و الرتق بالمعنى الأول، و بعض آخر يلزمهم المعنى الثاني الذي يظهر للناس جميعا.
كما أنبه إلى أن الرؤية العلمية تحصل بالتدبر، فالملازمة حاصلة لمن تدبر وعلم، أما من لم يعلم فلا يتوجه إليه الخطاب.
و الله أعلم.