تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم ينتقل معهم إلى لازم تلك الثوابت مما لا يثبتونه

ولذا كثيرا ما كان يختم الله آيات المناقشة مع الكفرة بقوله سبحانه:

أفلا تعقلون ... أفلا تتفكرون ... الخ

فالآيات لا تكاد تحصر التي تساق للاستدلال بحاضر على غائب

أو بشيء مُقر به على شيء غير مقر به

أو بشيء محسوس على أمر غير محسوس

أو بأي مترادف كان .... الخ

فهي قاعدة شرعية قبل أن تكون عقلية

فينبغي أن نجعلها هي المحكم التي نقيس عليها مسألتنا هذه

أما ما عداها فلا يمكن أن نصنفه إلا في المتشابه

مثل آية أخذ الميثاق على بني آدم " وغيرها"_ مما قد يخطر ببالنا فيما بعد _

هذا إذا سلمنا أن تلك الآية تعارض ما أثبته الله من محكمات الاستدلال بثابت على غير ثابت، وإلا فإن للعلماء في آية أخذ الميثاق أقوال كثيرة ومن ضمنها قول السعدي رحمه الله فمن شاء أن يراجعه في تفسيره فليراجعه عند الآية رقم 172 من سورة الأعراف

إذن فآية "مثل" هذه فيها ما فيها من الاختلاف و"التشابه" من الصعب أن نجعلها تؤيد مقولة خاطئة وندع الآيات المحكمات التي تخالف تلك المقولة الخاطئة

هذا ما يتعلق بآية الميثاق

أما الاستدلال بالآيات التالية:

ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه

ألم تر أن الله يسجد له من في السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس

ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل

....

فمجرد إيرادها كافٍ لسقوط دلالتها على إثبات مقولة خاطئة، بله عن الجواب عليها

فلئن سلمنا أنها جاءت في معرض إلزامٍ بثابت

فظاهر الآيات جلي بأنها فقط للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل مؤمن بالقرآن لأنهم لم يعودوا بحاجة إلى استدلال عقلي إذ يكفيهم أنها آية ليقروا بما جاء فيها

فالقرآن عند المسلمين هو أمر مقر به

حاضر

محسوس

ثابت

وكل ما ورد فيه حُق للمسلم أن يستدل به على أخيه المسلم المؤمن به

أما من جعل مثل تلك الآيات للكفار فقد أولها عن ظاهرها وبالتالي سيحتاج إلى دليل ذلك التأويل

أما قوله سبحانه

فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود

فلقد سمع القوم بالصيحة وتناقلها الناس

حتى صارت

محسوسا

وحاضرا أمامهم

وشيئا "مقرا به" بينهم

بأن هناك صيحة حصلت وريحا دمرت ومساكن أمطرت وأخرى خلت

بل وكانوا كما الله عنهم " يمشون في مساكنهم "

فلذا جاء التهديد بمثلها لكفار قريش

فكان ذلك استدلال شيء حاضر على شيء غائب

ولم تدل الآية البتة على صحة الاستدلال بغائب على غائب

أما آية "إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم* طلعها كأنه رؤوس الشياطين"

فإن بشاعة الشياطين _ كما قال غير واحد من أهل العلم_ صارت شيئا حاضرا محسوسا مقرا به في نفوس العرب

فحُق أن لنا أن نستدل بذلك الحاضر على شيء غائب

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فكذا الحال بالنسبة للملائكة

وهو عين ما أخبر عنه ابن القيم رحمه الله من أن النفوس قد "فطرت" على جمال الملائكة وبشاعة الشياطين

ولذا قالت نسوة يوسف لما رأينه ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم

فأناس مثل هؤلاء قد أقروا بجمال الملائكة وبشاعة الشياطين فلا داعي أن نثبت لهم شيئا هم مقرين هم به أصلا!!

وإنما نلزمهم بذلك الإقرار "الحاضر" على شيء غائب " غير مقر به "

إخواني وأهل مودتي: قوموا لله ومثنى وفرادى ثم تفكروا ألا يكون من التنفير عن ديننا وقرآننا أن نقول للكفرة إن ديننا يجيز الاستدلال بشيء غير مُقر به على شيء غير مقر به؟!!

إن أقل ما نعمله أمام آيات "نفهم" منها أنها تؤيد قولا خاطئا أن نصنفها ضمن الآيات المتشابهة

ولا نملك عندها إلا أن نقول آمنا بالأدلة وخطَّأنا الاستدلال

كما يفعل الراسخون في العلم عندما يصادفون آيات متشابهة تتعارض مع المحكمات اللواتي هن أم الكتاب

لنسكت مثلهم ولنقل الله أعلم بتأويل تلك الآيات المتشابهة

أما أسوأ المراحل فهي أن نأخذ بالمتشابه ونترك المحكم مما سيضطرنا بطريقة غير مباشرة أن نضرب القرآن بعضه ببعض

أما المرحلة الحسنى فهي بأن يمن الله علينا فنعرف تأويل تلك الآيات المتشابهة فنضمها للمحكم ليصبح القرآن كله محكما

فالخلاصة:

أن كل المسلمين قد عهدوا القرآن يستدل بشيء مقر به على شيء غير مقر به فلا ينبغي العدول عن هذا الأمر البتة

حتى وإن استحضرنا ألف آية "يُفهم" منها خلاف ذلك

فكلها متشابهات

سواء عُرف تأويلها أم لم يُعرف

والمحكمات ستكفي المؤمن وتغنيه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير