ويمكن أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر صورة الملك حينما يأتي بصورته الحقيقية لأن ذلك نادر، وأيضاً: لم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الإلهام والرؤيا، لأن هذه أمور قد تقع لغير الأنبياء ولا غرابة فيها، وإنما سأله كيف يأتي إليه الملك فيوحي إليه بالوحي الذي تظهر آثاره على النبي صلى الله عليه وسلم، أو كيف يأتيه بصورة لا يأتي بها الناس سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما الإلهام والرؤيا الصالحة فيقعان للناس،فهو لم يسأل عن ذلك.
ويمكن أن يقال أيضاً: بأن دوي النحل لا يتعارض مع صلصلة الجرس الذي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للاعتبار التي ذكرته فيما سبق. والعلم عند الله تبارك وتعالى.
وكذلك النفث في الرُّوع؛ يمكن أن يعاد إلى أحدى الحالتين: فيأتيه الملك فينفث في رُوعه بصورة صلصلة الجرس الذي يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم، أو يأتي على هيئة رجل ثم ينفث في رُوع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من ذلك و الأحاديث تحتمله. والعلم عند الله تبارك وتعالى.
ويمكن أن يقال أيضاً: إن السؤال كان عن صفة الوحي الذي يأتي بحامل لا مجرد الرؤيا ولا مجرد الإلهام، وهكذا التكليم الإلهي المباشر كالتكليم ليلة المعراج فإنه لم يسأل عن ذلك.
فهذه احتمالات يذكرها العلماء رحمهم الله في الجواب عن هذا الإشكال.
وقد يرد هنا سؤال آخر وهو: أن آية الشورى تضمنت الأنواع الخمسة التي ذكرناها، و قلنا هي أجمع آية في أنواع الوحي، لكن من أنواع الوحي أن يكتب الله عز وجل لنبي من الأنبياء كتابا، أو ينزل عليه كتاباً وهذا لم يرد في آية الشورى فيما يتبادر لمن نظر فيها؛ فما الجواب عن ذلك؟!
فيقال: إن مسألة الكتابة و إنزال الكتب مسألة ثابتة لاشك فيها؛ والله عز وجل أخبر أنه أنزل التوراة على موسى عليه السلام وكتب له في الألواح، كما في سورة الأعراف حين قال: (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا) (لأعراف:145) وكذلك في قوله تبارك وتعالى عن موسى صلى الله عليه وسلم: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ) (لأعراف: من الآية154)، وفي الصحيحين (خ/ 3157، م / 4793) في قصة محاجة آدم وموسى عليهم الصلاة والسلام:" فَقَالَ لَهُ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَكَ بِيَدِهِ " وفي رواية:" كَتَبَ لَكَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ "
فيمكن أن يجاب عن الإشكال السابق بعدة أجوبة:
الأول: أن يقال بأن الآية تكلمت عن طرق تكليم الله عز وجل لأنبيائه صلى الله عليهم وسلم، وما تكلمت عن الكتابة فالله تعالى يقول: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً) (الشورى: من الآية51).ويمكن أن يناقش أيضاً هذا الجواب.
الثاني: أن يقال: إن الكتابة هي أحد اللسانيين فهي لون من الكلام، فقوله تعالى: (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً) ... إلخ فالكلام يكون عن طريق الوحي، ويمكن أن يكون منه الكتابة.
الثالث: أن يقال إنها يمكن أن تدخل تحت قوله: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) (الشورى: من الآية51) فيكون الملك قد جاء بهذه الألواح أو بالتوراة. وعلى هذا فالكتابة إما أن تدخل تحت قوله (إِلَّا وَحْياً) (الشورى: من الآية51) أو تدخل تحت قوله (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) والله تعالى أعلم.
فائدة:
الأقرب في معنى هذه الألواح؛ أنها هي التوراة، بدليل الحديث السابق: " ... وكتب لك التوراة بيده "، وكذلك في قوله تبارك وتعالى (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) (لأعراف: من الآية145).وأما قول بعض أهل العلم بأن الألواح هي الوصايا العشر؛ فهذا فيه نظر. والله تعالى أعلم.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[20 Mar 2004, 01:31 م]ـ
جزاك الله خيراً ونأمل المواصلة في نقل الموضوعات القيمة.
ـ[أبو معاذ البخيت]ــــــــ[23 Mar 2004, 02:06 م]ـ
أبشر يا شيخ أحمد، سأسعى إلى ذلك جاهدا، شاكرا لك دعاءك ودعمك، والله يحفظك
ـ[أبو معاذ البخيت]ــــــــ[19 Apr 2004, 09:14 ص]ـ
للرفع
ـ[أبو معاذ البخيت]ــــــــ[07 Jun 2004, 07:37 ص]ـ
للرفع
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[14 Sep 2006, 06:59 ص]ـ
وهذا موضوع فصلت فيه القول في أهم مسائل هذا الموضوع
مسائل في الوحي ( http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?p=392#post392)