تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الصورة الثانية: أن يأتيه ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تُرى بعض الآثار على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تُسمع بعض الأصوات، ولكن جبريل لا يُرى، فالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يسمعون عند وجه النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل صوتاً كدوي النحل عند وجهه ـ عليه الصلاة والسلام ـ، ويتفصد العرق من جبينه في اليوم الشاتي، ويدل على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند البخاري (2) ومسلم (4304): أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال" وذكر النبي صلى الله عليه وسلم للحارث بن هشام الحالة الثانية؛ وهو (أن يأتيه على هيئة رجل فيكلمه فيعي ما يقول) فالحالة الأولى المذكورة في حديث الحارث بن هشام: "أن يأتيه على مثل صلصلة الجرس"؛ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع صوتا كصلصلة الجرس، والصلصلة: هو صوت متدارك وهو معروف والجرس معروف وهو: الجلجل. و بعض أهل العلم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع هذا الصوت، والصحابة يسمعون كدوي النحل عند وجهه عليه الصلاة والسلام، فبالنسبة إليهم يسمعون كدوي النحل وبالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم يسمع صوتا كصلصلة الجرس.

ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الترمذي (3097) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يُسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل عليه يوما فمكثنا ساعة ثم سُرِّي عنه فقرأ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) (المؤمنون:1) وكذلك ما أخرجه مسلم (4305) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه كَرِب لذلك وتربد له وجههو قالت عائشة رضي الله عنها: "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا" وهذا هو الغالب من الحالات التي كان يأتي بها جبريل إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام.

الحالة الثالثة: أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم على هيئة (صورة) رجل، ويدل على ذلك: حديث الحارث بن هشام الذي روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ وفيه: "و أحيانا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول"

وكذا حديث ابن عمر عند أحمد (5592):"كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحيه الكلبي" وهو رجل من الصحابة.

وكذلك: حديث عمر وهو ما يعرف بحديث جبريل المشهور في مسلم (8) (لما جاء جبريل في هيئة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه منهم أحد ولا يرى عليه أثر السفر).

ومن ذلك أيضاً: ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في طفولته (حيث جاءه رجلان فشقا صدر النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث) في مسلم (236) فهذا كله مما يستدل به على هذه الحالة.

تنبيه:

قد يرد هنا سؤال وهو: أن الحارث بن هشام عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية مجيء الوحي إليه؛ أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بصورتين فقط؛ مع أن هناك بعض الصور الأخرى من صفات الوحي وحالاته، كدوي النحل، والنفث في الروع، والإلهام، والرؤيا، والتكليم بلا واسطة، وكذلك مجيء جبريل صلى الله عليه وسلم بصورته الحقيقية، فهذه خمس صور لم ترد في حديث الحارث بن هشام لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم.

فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر له حالتين فقط؛لأنها هي الغالب.

وقيل: إن ما ذكر وقع بعد سؤال الحارث بن هشام؛ وهذا فيه بعد، بل هو غلط وإن قاله بعض أهل العلم؛ لأن جبريل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم بصورته الحقيقية في أول النزول في مكة، وكذا الرؤيا الصالحة، وقصه الحارث بن هشام كانت في أواخر العهد المدني، لأن الحارث بن هشام رضي الله عنه أسلم عام الفتح, لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا. فهذا الجواب لا يصلح.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير