تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(وذهب بعضهم في الفرق بين التفسير والتأويل إلى شيء غير مرضي فقال: التفسير: بيان وضع اللفظ حقيقة كتفسير الصراط بالطريق والتأويل: إظهار باطن اللفظ كقوله تعالى " إن ربك لبالمرصاد " فتفسيره من الرصد يقال: رصدته , إذا رقبته وتأويله تحذير العابد من تعدي حدود الله ومخالفة أوامره والذي عندي في ذلك أنه أصاب في الآخر ولم يصب في الأول لأن قوله " التفسير بيان وضع اللفظ حقيقة " لا مستند لجوازه بل التفسير يطلق على بيان وضع اللفظ حقيقة ومجازاً لأنه من الفسر وهو الكشف كتفسير الرصد في الآية المشار إليها بالرقبة وتفسيره بالتحذير من تعدي حدود الله ومخالفة أوامره.

وأما التأويل فإنه أحد قسمي التفسير وذاك أنه رجوع عن ظاهر اللفظ وهو مشتق من الأول وهو الرجوع يقال: آل يؤل إذا رجع وعلى هذا فإن التأويل خاص والتفسير عام فكل تأويل تفسير وليس كل تفسير تأويلاً.)

(فمثال الحقيقة والمجاز قوله تعالى " ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون " فالجلود ههنا تفسر حقيقة ومجازاً: أما الحقيقة فيراد بها الجلود مطلقاً وأما المجاز فيراد بها الفروج خاصة وهذا هو الجانب البلاغي الذي يرجح جانب المجاز على الحقيقة لما فيه من لطف الكناية عن المكنى عنه وقد يسأل ههنا في الترجيح بين الحقيقة والمجاز من غير الجانب البلاغي ويقال: ما بيان هذا الترجيح فيقال: طريقه لفظ الجلود عام فلا يخلو إما أن يراد به الجلود مطلقاً أو يراد به الجوارح التي هي أدوات الأعمال الخاصة ولا يجوز أن يراد به الجلود على الإطلاق لأن شهادة غير الجوارح التي هي الفاعلة شهادة باطلة إذ هي شهادة غير شاهد والشهادة غير شاهد والشهادة هنا يراد بها الإقرار فتقول اليد: أنا فعلت كذا وكذا وتقول الرجل: أنا مشيت إلى كذا وكذا وكذلك الجوارح الباقية تنطق مقرةً بأعمالها فترجح بهذا أن يكون المراد به شهادة الجوارح وإذا أريد به الجوارح فلا يخلو إما أن يراد به الكل أو البعض فإن أريد به الكل دخل تحته السمع والبصر ولم يكن لتخصيصهما بالذكر فائدة وإن أريد به البعض فهو بالفرج أخص منه بغيره من الجوارح لأمرين أحدهما: أن الجوارح كلها قد ذكرت في القرآن الكريم شاهدة على صاحبها بالمعصية ما عدا الفرج فكان حمل الجلد عليه أولى ليستكمل ذكر الجميع الآخر: أنه ليس في الجوارح ما يكره التصريح بذكره إلا الفرج فكني عنه بالجلد لأنه موضع يكره التصريح فيه بالمسمى على حقيقته. فإن قيل: إن تخصيص السمع والبصر بالذكر من باب التفصيل كقوله تعالى " فاكهةٌ ونخلٌ ورمانٌ " والنخل والرمان من الفاكهة.

قلت في الجواب هذا القول عليك لا لك لأن النخل والرمان إنما ذكر التفضيل لهما في الشكل أو في الطعم والفضيلة ههنا في ذكر الشهادة إنما هي تعظيم لأمر المعصية وغير السمع والبصر أعظم في المعصية لأن معصية السمع إنما تكون في سماع غيبة أو في سماع صوت مزمار أو وتر أو ما جرى هذا المجرى ومعصية البصر إنما تكون في النظر إلى محرم وكلتا المعصيتين لا حد فيهما وأما المعاصي التي توجد من غير السمع البصر فأعظم لأن معصية اليد توجب القطع ومعصية الفرج توجب جلد مائة أو الرجم وهذا أعظم فكان ينبغي أن تخص بالذكر دون السمع والبصر وإذا ثبت فساد ما ذهبت إليه فلم يكن المراد بالجلود إلا الفروج خاصة.) *

(وأما مثال المعنيين إذا كان أحدهما مناسباً لمعنى تقدمه أو لمعنى تأخر عنه والآخر غير مناسب: فالأول هو ما كان مناسباً لمعنى تقدمه كقوله تعالى: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} فالدعاء ههنا يدل على معنيين: أحدهما: النهي أن يدعى الرسول باسمه فيقال يا محمد كما يدعو بعضهم بعضاً بأسمائهم وإنما يقال له: يا رسول الله أو يا نبي الله الآخر: النهي أن يجعلوا حضورهم عنده إذا دعاهم لأمر من الأمور كحضور بعضهم عند بعض بل يتأدبون معه بأن لا يفارقوا مجلسه إلا بإذنه وهذا الوجه هو المراد لمناسبة معنى الآية التي قبله وهو قوله تعالى " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمرٍ جامعٍ لم يذهبوا حتى يستأذنوه "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير