تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لقد تحدث الدكتور فضل عن هذه الواو فصال وجال، وأتى بالعجب العجاب0 بدأ حديثه بهجومه العنيف على الفراء، واتهمه بسوء النظر والفكر معًا ... ثم زعم أن هذه الواو صاحبة رسالة مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى: {والله أعلم حيث يجعل رسالته} ... ثم ذكر مدعيًا أن حذف الجواب في الآية من دقائق الإعجاز، وأن حذف جواب (إذا) مستفيض في القرآن، وكلام العرب0 ولهذا قال في معنى الآية: ” حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها- كان لهم من إكرام الله ما لا يمكن حصره- أو: ما يشابهه".

ولم يكتف الدكتور فضل بذلك، بل زعم أن الجواب في الآية الأولى محذوف أيضًا، وأن جملة (فتحت) استئنافية، ثم قال:” والمعنى: حتى إذا جاؤوها، فتحت أبوابها- وجدوا من الهول، والحسرة، والندامة، والأسى ما يعجز عنه الوصف- وقال لهم خزنتها كذا وكذا“0 فتأمل!!

ثانيًا- وفي الإجابة عن ذلك كله نقول وبالله المستعان:

آ- هذه الواو التي أدخلت في قوله تعالى: {وفتحت أبوابها} هي أداة ربط، ووظيفتها اللغوية هي ربط جواب (حتى إذا) بشرطها. وقد دل الاستقراء على أن لجواب (حتى إذا) حالتين:

الأولى: أن لا يكون مقترنًا بشيء؛ نحو قوله تعالى: {حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} [الكهف:71].

والثانية: أن يكون مقترنًا:

- إما بالواو؛ كهذه الآية.

- أو بالفاء؛ كقوله تعالى: {حتى إذا لقيا غلامًا فقتله} [الكهف:74].

- أو بثمَّ؛ كقوله تعالى: {حتى إذا ضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا} [التوبة:118].

ب- إذا ثبت حذف جواب (إذا) و (لو) في بعض المواضع، فإن حذف جواب (حتى إذا) لم يثبت أبدًا في أيٍّ من تلك المواضع0 وليس من الصواب أن نقيس (حتى إذا) على (إذا) أو على (لو)؛ لأن من شروط القياس المعتبرة في اللغة أن تقاس الظاهرة اللغوية على أمثالها0 ثم إن القياس النحوي لم يصلح لأن يكون منهجًا للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي.

وهذا ما فعله الفراء0 والدليل على ذلك أنه أنكر، وبأسلوب رقيق مهذب، قول من جعل قول الله تعالى: {وأذنت} جوابًا لـ {إذا} في قوله تعالى: {إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت}، فقال:” ونرى أنه رأيٌ ارتآه المفسِّرُ، وشبَّهه بقوله تبارك وتعالى: {حتى إذا جاؤوها}؛ لأنا لم نسمع جوابًا بالواو في (إذ) مبتدأة، ولا قبلها كلام، ولا في (إذا)، إذا ابتُدِئت، وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: (حتى إذا كان) و (فلمَّا أن كانت)، لم يجاوزا ذلك".

والفراء راوية ثقة، لا يشك أحد في ما يرويه عن العرب0 وقد شهد له بذلك أبو حيان صاحب تفسير (البحر المحيط)، والشواهد القرآنية، وغيرها تؤيد ذلك وتؤكد.

فمن الشواهد القرآنية نذكر قول الله تعالى: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من حدب ينسلون واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} [الأنبياء:96].

فقوله تعالى: {اقترب الوعد الحق} جواب قوله: {حتى إذا}، وقد جاء مقترنًا بالواو، خلافًا لمن زعم غير ذلك؛ لأن المعنى: حتى إذا فنحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، اقترب الوعد الحق00 وإنما كان (اقترب الوعد الحق) هو الجواب؛ لأن فتح يأجوج ومأجوج، ونسلهم من كل حدب هو علامة من علامات اقتراب هذا الوعد، الذي هو يوم القيامة0 وهو المراد بقوله تعالى: {فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقًا} [الكهف:98] 0

ومن الشواهد الشعرية التي أنشدها الفرَّاء نذكر قول الشاعر:

حتى إذا قمِلت بطونكُمُ** ورأيتمُ أبناء كم شبُّوا

وقلبتمُ ظهر المجَنِّ لنا**إن اللئيم العاجز الخبُّ

جاء بجواب (حتى إذا) مقترنًا بالواو وهو قوله: (قلبتم لنا ظهر المجن) 00 والمعنى على هذا واضح {لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} 0

ج- الفرَّاء لم يفل بزيادة هذه الواو، ولم يذكر نوعها؛ وإنما اكتفى بأن فسر هذه الظاهرة اللغوية بقوله:” العرب تدخل الواو في جواب (لمَّا) و (حتى إذا) وتلقيها “0 ولم يقل ذلك في جواب (إذا)، بل أنكر قول من قال به، كما ذكرنا0 وكان ينبغي على الدكتور فضل حسن عباس أن يفهم كلام الفراء قبل أن يهاجمه، ويتهمه بسوء النظر والفكر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير