د- وفي حذف هذه الواو في آية، وإثباتها في آية أخرى قال النحاس:” أما الحكمة في إثبات الواو في الثاني، وحذفها من الأول فقد تكلم فيه بعض أهل العلم0 قال: لمّا قال الله عز وجل في أهل النار: {حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها}، دل على أنها كانت مغلقة00 ولمّا قال في أهل الجنة: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها}، دل على أنها كانت مفتحة قبل أن يجيئوها“0 وإلى هذا ذهب الزمخشري، وأبو حيان0.
ونحن نقول: إن إثبات الواو في الآية الثانية، دلَّ على أن الجنة فتحت أبوابها مع مجيء أهلها إليها، وليس قبل مجيئهم؛ وذلك لمَا في الواو من معنى الجمع الذي لا يفارقها أينما وقعت. ولهذا لا يجوز القول بأنها عاطفة، أو حالية؛ لأنها مسلوبة الدلالة على العطف؛ ولأن واو الحال لا يجوز أن تدخل على الفعل إلا ومعها (قد) ظاهرة، لا مقدرة0 ثم إن جعلها حالية يقتضي تقدير جواب محذوف مع (قد) - كما فعلوا - وهذا تكلف ظاهر، لا داعي له، لما فيه إخلال بنظم الكلام، وإفساد لمعناه0 فجعلها حالية يدل على أن فتح أبواب الجنة حالة مؤقتة، تتغيَّر بتغيُّر الظروف والأحوال0 وفرق كبير بين أن نفهم هذا المعنى من الآية الكريمة، وبين أن نفهم أن فتح أبواب الجنة حالة ثابتة، ومستمرة0 وهذا المعنى هو الذي تدل عليه هذه الواو.
أما حذفها من الآية الأولى فدل على أن النار لا تفتح أبوابها لأهلها إلا بعد مجيئهم إليها0 وقد يطول وقوفهم، وانتظارهم- وهذا أنكى لهم- ثم تفتح لهم الأبواب بعد طول انتظار، ويدخلون غير مأسوف عليهم، خلافًا لأهل الجنة الذين يدخلون الجنة دون انتظار لأنهم يجدون أبوابها مفتحة لهم مع مجيئهم إليها00 ومما يدل على ذلك قول الله تعال: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} [ص:50] 0 وأحسن ما قيل في تفسيره: إن الملائكة الموكلين بالجنان، إذا رأوا صاحب الجنة، فتحوا له أبوابها، وحيوه بالسلام، فيدخل محفوفًا بالملائكة على أعز حال، وأجمل هيئة0
هذا المعنى هو الذي ينبغي أن يفهم من قوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} 0 ومن يعرف جوهر الكلام، ويدرك أسرار البيان يتبين له أن ما قلناه هو الحق00 والله تعالى أعلم بأسرار بيانه0 وله الحمد والمنَّة0
السبت، 06 آذار، 2004 محمد إسماعيل عتوك
[email protected]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[25 Mar 2004, 02:59 م]ـ
أخي الكريم الأستاذ محمد إسماعيل عتوك وفقه الله لكل خير.
أرحب بك معنا في ملتقى أهل التفسير، الذي يسعد بأمثالكم من الباحثين الجادين. ونرجو أن تجد ما يسرك، وأن نرى منك ما يسرنا كذلك. وقد انتفعتُ كثيراً بما تكرمتم به من بحث هذه المسألة العلمية التي دارت حول الآية رقم (73) من سورة الزمر.
ويمكنني تلخيص الرأي الذي خلصتم إليه في أن الواو في قوله: (وفتحت أبوابها) أداةُ ربطٍ، ووظيفتها اللغوية هي ربط جواب (حتى إذا) بشرطها، وأنها تدل على أن أبواب الجنة تفتح مع مجيء المؤمنين إلى الجنة لا قبل ذلك.
* ولديَّ استفسارات:
الأول: يبدو لي أن القول بأن الواو أداة ربط فحسب، قول عام يصلح أن يقال في حق الواو العاطفة فهي أداة ربط كذلك، ويقال في حق الواو الحالية، ويصلح في حق (ثم) فهي أداة ربط كذلك، وغيرها من الأدوات، فهي إضافة لكونها أدوات ربط للكلام فهي ذات معانٍ خاصة كالدلالة على الحال أو المعية أو التراخي مثلاً. وقد ذكر ابن أم قاسم المرادي في (الجنى الداني) أن الواو تأتي للربط بين الجمل، ولا محل لها من الإعراب ص 163، فهل القول بأنها أداة ربط في هذه الآية على وجه الخصوص سبق أن ذكره أحد المفسرين أم هو من تأملكم الكريم وفقكم الله؟
الثاني: أن المعنى الذي حملتم الآية عليه مع هذا الرأي هو (أن أبواب الجنة تفتح مع مجيئ المؤمنين لا قبله).
بينما ذهب بعضهم إلى معنى يحتمل ما ذهبتم إليه وهو (أن أهل الجنة يجيئونها فيجدون أبوابها مفتحة، وهذا أشارت إليه آية كريمة (جنات عدن مفتحة لهم الأبواب) وهو ما تؤديه هذه الواو، فهي واو الحال). كما ذكر الدكتور فضل حسن عباس في كتابه الذي أشرتم إليه ص 197. فكم هي المدة الفارقة بين كونه يفتح مع لا قبل أو عند؟ وما الفرق المؤثر بينهما؟
الثالث: أن القول بأن (القياس النحوي لم يصلح لأن يكون منهجًا للبحث العلمي؛ إنما الذي يصلح لذلك هو الاستقراء اللغوي). يخالف ما تقرر عند النحاة من صحة القول بالقياس بشروطه المعتبرة، وأن الاستقراء اللغوي لا يخالف القياس الصحيح. ولا شك أن الاستقراء لكلام العرب هو الحجة، والاستقراء يكون داعماً للقياس، ولا يعود عليه بالنقض، وقد قرر هذه المسألة من كتبَ في النحو منذ قيل:
إنما النحو قياس يتبع= وبه في كل أمر ينتفع
الرابعة: أنا أتساءل ما الحكمة من ذهاب المفسرين إلى القول بأن معنى حذف الواو في الحديث عن أهل النار يدل على أنه لا يفتح لهم إلا بعد الانتظار، وأن في ذلك زيادة في العذاب لهم، أليس العذاب هو أن يجدوا الأبواب مشرعة تكاد تميز من الغيظ كما ذكر الله، لا موصدة دون جهنم؟! هل من توضيح؟
وأخيراً فإن الباحثين كثيراً ما يذيلون تأملاتهم بمثل عبارة: (ومن تأمل هذا الموضع بان له صحة ما ذكرت). وعندما يتأمل الآخرون ويخالفونه يتهمهم بأنهم لم يعملوا أذهانهم، ولم تظهر لهم الأسرار التي ظهرت له. وقد سلك أهل الإلحاد مسلكاً شبيهاً بهذا، فهم يهجمون على الآيات هجوماً لم يسبقوا إليه، ويقولون: وقد أخطأ المفسرون جميعاً في تفسير هذه الآية، والذي ينبغي أن يقال في تفسيرها هو كذا وكذا .. ) وهذا تجده عند نصر أبو زيد كثيراً. فكيف الحل إذا مع أمثال هؤلاء أخي الكريم محمد؟
أرجو أن يتسع وقتك الثمين للإجابة عن تساؤلي وفقك الله. كما أرجو أن لا تبخل علينا بمثل هذه النفائس العلمية المحررة.
¥