تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[26 Mar 2004, 01:33 ص]ـ

وهذا تعليق جيد للدكتور أحمد فرح عقيلان رحمه الله حول نفس الموضوع:

(من لطائف التفسير

فتنة داود عليه السلام وافتراءات اليهود عليه

ما رأيت أدبا رفيعا كأدب القرآن حين يتناول سير الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، فما من نبى في القرآن الكريم إلا وله مقامه المعلوم، وأسوته العظمى، ولا غرو فهم نماذج البشرية الطاهرة المعصومة المنزهة، وأوعية الرسالة الإلهية المقدسة، اذا قرأت القرآن ومررت على سيرة أي نبي أحببته، لأنك تجد لسيرته في قلبك روحا وريحانا، أما اذا قرأت سيرة الانبياء الكرام في الكتب السماوية المحرفة، وفي الاسرائيليات المشوهة، فإنك في كثير من الاحوال تكره الانبياء، لما ترى من صور مشوهة لسيرهم العطرة وتحريف للكلم الطيب عن مواضعه.

في سورة ص ذكر لسيرة داود عليه السلام وهو نبي ابتلى بالنعمة فكان نموذج الشكر وفتن باختبار، فكان أسرع شيء الى التوبة، ومن أجل هذا خاطب ربنا جل وعلا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بعد ان ذكر عناد قريش وايذاءهم وغطرستهم فقال له: «اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد - أي القوة والتأييد من الله - إنه أواب». ومعنى هذا أن ربك من عليا سمواته يأمر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يذكر داود في شدائده ويقتدى بأخلاقه وصبره، وحسبك بهذا شرفا لداود، وإني مورد هنا آيات من كتاب الله جل وعلا في سيرة داود، ثم محذر بعدها إن شاء الله مما افتراه بنو ا سرائيل على هذا النبي الكريم.

بسم الله الرحمن الرحيم: «وهل أتاك نبأ الخصم إذا تسوروا المحراب، إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب، فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب، يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (ص: 21 و26).

أولا: هذه الآيات الكريمات هي كل ما ورد في القرآن الكريم من فتنة داود عليه السلام وهي آيات ترسم لنا ذلك النبي الكريم في صورة عبد طاهر منيب إلى ربه وقع منه في القضاء سهو بحسن نية، فاستغفر ربه من الذنب وخر راكعا للرب، وأناب راجعا الى ربه بالتوب، من اجل ذلك فالمؤمن مطالب ان يؤمن بكل حرف من هذه الآيات ومن غيرها لانها لا تنال من عصمة الانبياء شيئا والنبي كما هومعلوم معصوم من الكبائر ومن الذنوب التي تسقط المروءة، اما ما يحدث من الصغائر، ومن الغفلة العابرة فيمكن ان تقع من الانبياء دون ان ينال هذا من عصمتهم.

ثانيا: القصة الاسرائيلية الواردة حول الخصمين والتسع والتسعين نعجة لم يسندها دليل من السنة المطهرة ولا استندت الى حديث صحيح وكل رواياتها جاءت من طرق ضعيفة، ولم يرد في القرآن الكريم المطهر من قريب ولا بعيد في سيرة داود عليه السلام، بل ولا في سيرة أي نبي من انبياء الله أنه تعلق بحب امرأة، ولكن القصة الاسرائيلية الكذب تتجرأ على داود الذي رسمه الله قدوة لمحمد، والذي شد الله ملكه وآتاه اعظم خير: الحكمة وفصل الخطاب، اقول: تتجرأ القصة الاسرائيلية على هذا العبد الصالح الذي مدحه الله بأسلوب المدح «نِعْمَ العبد إنه أوَّاب» فتختلق من حوله صلى الله عليه وسلم قصة يعشق فيها النبي الكريم امرأة جميلة! ثم لا تقف عند هذا الحد حتى تزعم ان ذلك الحب قد دفع داود عليه السلام الى التآمر على زوجها وكان مجاهدا بأن يعرضه للموت لكي يخلو الجو لداود فيتزوج زوجة المجاهد وتنجب له سليمان! حاش لله وتنزه النبي الاواب عن مثل هذا الهراء، لكن هذا الكلام لا يستغرب على بنى اسرائيل فإنك لو قرأت كتابهم المحرف لوجدت قصصا رخيصة من هذا النوع قد حامت حول يعقوب وسليمان ولوط وغيرهم من انبياء الله وكلها تسيء الى الانبياء وتذكرهم وتخرق لهم قصصا تسقط مروءة الرجل العادي فكيف بكرامة النبي الكريم!

ثالثا: القصة الواردة في القرآن الكريم خلاصتها ما يلي: كان داود عليه السلام اذا فرغ من القضاء بين الناس خلا إلى محرابه يتعبد ويتلو الزبور، وكان يأمر الحرس الا يسمحوا لأحد بإزعاجه عن عبادته، ولكن حدث يوما ان خلا بنفسه في محرابه، واذا رجلان يدخلان عليه فجأة متسورين المحراب ففزع عليه السلام منهم كيف وصلا اليه على كثرة الحرس! وعندئذ هدءا روعه وقالوا: لا تخف، وتستعمل واو الجماعة احيانا بدلا من ألف المثنى، قال تعالى (هذان خصمان اختصموا في ربهم) أقول: هدّءا من روعه وقالوا: لا تخف نحن خصمان ظلم أحدنا الآخر وقد جئناك لتحكم بيننا بالعدل ولا تغالى وتهدينا الى الطريق القويم في قضيتنا، ومضى أحدهما وهو المدعي يقول: «ان هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة» فطمع في نعجتي الوحيدة على كثرة غنمه وطفق يحرجني بطلبه وسؤاله حتى غلبني أخيرا عليها، وفي الحال ودون ان يستمع من الخصم الآخر كما يقضى القضاء العادل أجابه داود «لقد ظلمك» خصمك حين سألك نعجتك ليضمها الى نعاجه، وان كثيرا من الشركاء والمتعاملين يظلم بعضهم بعضا إلا المؤمنين الصالحين وهم قلة، وفي الحال تذكر داود عليه السلام خطأه فاستغفر وسجد لله، وأناب بتوبة نصوح ولم يكن له والله أعلم من ذنب إلا أنه قضى قبل ان يدلي المدعى عليه بأقواله، ومما يؤيد ان الاختبار كان درسا في القضاء فقط ولم يكن في الأمر نساء: ان الله - جل جلاله - يختم الآيات الكريمات بقوله: «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله» اللهم صل على محمد الذي علمنا الأدب القرآني وعلى جميع انبيائك الكرام المعصومين من كل ما يسقط المروءة.)

الشيخ أحمد فرح عقيلان

المصدر: http://www.al-watan.com/data/20031026/index.asp?page=Dislamic1.htm

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير