تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" والإشارة إلى قومهم بـ ((هَؤُلاء)) لقصد تمييزهم بما سيخبر به عنهم، وفي الإشارة تعريف بالتعجب من حالهم وتفضيح صنعهم، وهو من لوازم قصد التمييز " أ. هـ

وهذا التمييز لقومهم كان من فقههم للواقع فقهاً مستنداً على ضرورة اعتماد التوحيد أساساً في التقييم؛ فقدّموا أولاً الشرك وأنه الخطر الأول في واقع عصرهم آنذاك وما يترتب عليه من موجبات الهلاك ومقتضيات الدمار.

وهؤلاء الفتية قد أوتوا قوة علمية في جدل خصومهم ويقيناً يعضده؛ لذا قالوا: ((لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ)).

((لَّوْلا)): حرف تحضيض؛ أي: حث المقابل على الإتيان بالسلطان المبين والدليل الظاهر مع علمهم بعجز قومهم عن الإتيان به، وهذا راجع إلى اليقين وقوة الأدلة المتحصّلة عندهم من جهة الإيمان مع ضعف ما عند خصومهم من الأدلة.

والآية: "دليل على فساد التقليد، وتأكيد بأن إقامة الحجة على إلهية غير الله وتأثيره ووجوده محال" (2).

((فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً)).

أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب بادعاء أنّ له شريكاً كما افتراه عليه قوم أصحاب الكهف (3).

وكان صدورِ الحكم منهم على قومهم وقع بعد إقامة الحجة عليهم، ومطالبتهم وحثّهم على الإتيان بالبرهان إن كانوا صادقين.

وإصدار الحكم على عسكر الشرك بعد إقامة الحجة، وبعد أن استيأسوا منهم هو العدل الذي دلت عليه مقاصد الدين.

حينذاك أعلن عسكر الشرك المخذول عداءه، وشنّ حربه على أهل التوحيد، فلا سبيل ساعتئذٍ إلا الالتجاء إلى الله – تعالى – والفرار إليه: ((فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ))، ولهذا لم يكن لهم من سبيل إلا الاعتزال.

((وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً)).

حتى كُرمت هذه الفئة بنصر الله، وهو نجاة الطائفة المؤمنة وانتصارها ((إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ))؛ فكان دفاع الله – تعالى – عنها على أرض الواقع بإجراء سنن الدفع لصالحها، وتسيير السنن الكونية لنفعها.

و ((إِذِ)) في الآية: للتعليل؛ كما رجح ذلك الشنقيطي في "أضواء البيان"؛ أي: ولأجل اعتزالكم قومكم؛ فأووا إلى الكهف، وهذا يدل على أن اعتزالهم الكفار هو من أسباب لطف الله ورحمته بهم، وبموجب ذلك يكون التجاؤهم إلى الكهف ليس هرباً من الخلق بل نصر وتكرمة لهم، وهو من جنس الإنابة والفرار إلى الله؛ كما قال – تعالى – في التجاء النّبي صلى الله عليه وسلم وصحابه إلى الغار بأنه نصر: ((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا)) الآية.

تنبيه:

ذكر أهل التفسير في الاستثناء الوارد في الآية: ((إِلا اللَّهَ)) وجهين:

الأول: أنه منقطع.

والثاني: متصل.

ورجح القرطبي الأول، والأظهر في الترجيح هو الثاني؛ كما رجّح ذلك الشنقيطي، وحمله على ذلك أظهر لأمرين:

الأول: الوارد في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((وما يعبدون من دون الله) قال قتادة: هذا تفسيرها، ولا يخفى على أهل العلم ما لمرويّات التفسير من أثر في ترجيح معنى الآية.

الثاني: أنّ الترجيح المذكور ينسجم مع مقاصد القرآن الضرورية من جهة أنّ المشركين كانوا يقرّون بالخالق، ولكن أشركوا في توحيد العبادة، وعليه يكون معنى الآية: وإذا اعتزلتموهم وما يشركون في عبادة الله تعالى؛ أي: كانوا يعبدون الله والأصنام.

رعاية الله تعالى للفارين إليه

ثم كانت الرعاية لهم: ((يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً)):

وهذه الرعاية هي ثمرة اعتزالهم للشرك وأهله، فكل من يعتزل المشركين ويتبرّأُ من شركهم ويفرّ إلى الله فرار الموحّدين يجعل له:

1 - هبة دينيه ودنيوية من رحمة الله – تعالى –.

2 - الهداية إلى سبل الرشاد والخير والعافية.

3 - ثناء حسن يعلو على كل ثناء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير