تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وربما عدل القرآن عن صورة إلى أخرى تختلف عن الأولى في عدد الحروف أو الترتيب أو الحركات، وهذا التغيير يكون مقصوداً، لذلك لا بدَّ من حكم ولطائف من هذا التعبير والتغيير.

الميِّت ـ بالتشديد ـ: هو غالباً ما يعبَّر به عن الحي الذي فيه الروح.

الميْت ـ بالتسكين ـ: هو الذي خرجت روحه منه.

فالميِّت: مخلوق حي، ما زال يعيش حياته، وينتظر أجله، فهو ميَّت مع وقف التنفيذ، ونرى هذا المعنى واضحاً في قوله تعالى وهو يخاطب رسوله الكريم r : ] إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ. ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُون [().

الآية الكريمة تخاطب النبي r وتخبره بأنه سيموت، وأن خصومه الكفار سيموتون، فكل حي» ميِّت «حال حياته ينتظر حلول الأجل.

والميْت: هو المخلوق الذي مات فعلاً وخرجت روحه وأصبح جثة هامدة،وأطلق القرآن هذا اللفظ على:

البلد الميْت، فقال الله تعالى:] وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ [().

والبهيمة الميْتة، قال الله تعالى:] إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِه [().

والميْت: هو الإنسان الذي مات وخرجت روحه، وقد شبه الله تعالى الذي يغتاب أخاه بمن يأكل لحم ذلك الإنسان الميت فقال تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [().

والكافر: قلبه ميْت، فهو ميْت موتاً معنوياً، رغم أنه يتحرك ويتنفس، ميْت لخلو قلبه من الإيمان، وحياته من الاستقامة، ولا يحيي قلبه إلا الإيمان:] أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [().

ولعلنا نستشف هذه المعاني من حركات الكلمتين، فالميِّت: ياؤه مشددة، ويشير إلى إقبال الإنسان الحي على حياته الدنيا، وانهماكه فيها، وحرصه عليها بكل ما أوتي من قوة وشدّة.

أما الميْت: الذي خرجت روحه، فياؤه ساكنة غير متحركة، ولعلها إشارة إلى سكون هذا الإنسان وهدوئه بعد خروج روحه، وتوقفه عن الحركة، وقد قال الشاعر مفرِّقاً بينهما:

وَتَسْأَلُني تَفْسيرَ مَيْتٍ وَمَيِّتٍ فَدونَكَ ذا التفسيرُ إنْ كنتَ تَعْقِلُ

فَمَنْ كانَ ذا روحٍ فَذلِكَ مَيِّتٌ وَما المَيْتُ إلاَّ مَنْ إلى القَبْرِ يُحْمَلُ

6 ـ الكُره ... و ... الكَره: كلمتان متقاربتان في البناء والتركيب والحركات، ومتقاربتان أيضاً في المعنى.

فالكُره: المشقة المرغوبة، كتكليف القتال الشاق على النفس، ولكن النفس المؤمنة ترغبه وتطلبه رغم مشقته وصعوبته، لذلك وصف بأنه (كُره) بضم الكاف، أي ثقيل وشاق، ولكنه مرغوب ومطلوب مراد للمجاهدين الصادقين، وذلك لثماره الإيجابية في الدنيا والآخرة.

قال الله تعالى:] كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [().

ولما كان حمل المرأة شاق صعب متعب مرهق، يضعف جسمها، ويؤثر في أعصابها ونفسيَّتِها، وقد يصيبها بالأمراض أو تودي بحياتها.

علاوة على ذلك آلام المخاض، وأوجاع الطلق، ومشقة الولادة، ولكن رغم كل هذا فالمرأة ترغب في الحمل والإنجاب، وتستعذب هذه المشاق، وتطلب الحمل وتريده!!

ولهذا عبَّر القرآن الكريم عن حملها ووضعها بأنه» كُره «أي مشقة وصعوبة وثقل، فيه آلام وأوجاع وأخطار، لكنه مرغوب ومطلوب لدى المرأة، مقرونة باللذة والشوق، قال الله تعالى:] وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا [().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير