تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومنهم من نفى عن يوسف همَّ الفاحشة، واعتبره همَّ الضرب، أي همَّ بضربها ورفع يده عليها، ولكنه لم يضربها لأنه رأى برهان ربه، وهو شعوره بالخجل من ضربها، لأنه لا يليق برجل أن يضرب امرأة، فكيف إذا كانت سيدته!

ولا أرى الهمَّ بالفاحشة لأنه منزه عن ذلك، ولا همَّ بالضرب لعدم توفر الأدلة على ذلك، ولكن تركيب الآية توحي بأنه لم يهمَّ بها، وتنفي عنه الهمَّ قال الله تعالى:] وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ. وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [فحرف» الواو «هنا استئنافية وليست عاطفة، ويجب الوقوف على الضمير في» به «ثم يستأنف القارئ:] وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ [، وجملة» هَمَّ بها «جواب الشرط، لحرف الشرط» لولا «مقدَّم عليها، فتصبح الجملة هكذا:» لولا أن رأى برهان ربه لَهَمَّ بها «.

ومعلوم أن (لولا) حرف امتناع لوجود، فيمتنع تحقق جواب الشرط وهو» همَّ بها «لوجود فعل الشرط وهو» أن رأى برهان ربه «.

وبرهان ربه عز وجل هو: إيمانه القوي بالله تعالى، وشعوره بمراقبته، وحرصه على عدم مخالفته، واجتنابه للمعاصي والذنوب.

9 ـ معجزات عددية في سورة القدر: تتحدث سورة القدر عن فضل ليلة القدر، وتخبر أن إنزال القرآن كان في ليلة القدر، وتبيِّن أنها خير من ألف شهر، وحثنا النبي r على إحياء تلك الليلة فقال عليه الصلاة والسلام: ((من يقم ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) ().

سورة القدر هذه تحتوي على إشارات عظيمة وعميقة منها:

ـ كلمة» القدر «مؤلفة من خمسة أحرف، وكأنها تشير إلى أركان الإسلام الخمسة.

ـ تحتوي هذه السورة على خمس آيات، وكأنها تحث الأمة على المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في بيت من بيوت الله تبارك وتعالى.

حافظ على صلواتك الخمسِ فكم من مصبح وعساه لا يمسي

واستقبل يومك بذكر الإله تمحو به ما كان بالأمسِ

ـ كما أن هذه السورة تحتوي على ثلاثين كلمة، بعدد أيام شهر رمضان الكريم وهي تحث الأمة على محافظة صيام هذا الشهر الكريم.

أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد

فأدِّ حقه قولاً وفعلاً وزادك فاتخذه للمعاد

فمن زرع الحبوب وما سقاها تأوَّهَ نادماً عند الحصاد

ـ وتحتوي هذه السورة على مائة وأربعة عشر حرفاً، بعدد سور القرآن الكريم، وكأنها تحث الأمة على تلاوة هذا الكتاب المجيد، الذي أنزل في هذا الشهر الكريم.

كلام قديم لا يمل سماعه تنزه عن قول وفعل ونية

به أشتفي من كل داء ونوره دليل لعقلي عند جهلي وحيرتي

فياربِّ متعني بسرِّ حروفه ونوِّر به سمعي وقلبي ومقلتي

ـ وفيها إشارة إلى أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين، وذلك لأن جملة» ليلة القدر «مكونة من تسعة أحرف، ومكررة ثلاث مرات، ولعل الحكمة من ورودها ثلاث مرات هي الإشارة إلى تعيين الليلة، فحاصل ضرب عدد الحروف بعدد المرات، نستنتج تعيين الليلة: 9 × 3 = 27 وهي ليلة القدر.

ـ وذكرنا أن عدد كلمات هذه السورة ثلاثون كلمة، على عدد أيام الشهر الكريم، ورقم كلمة» هي «الضمير المنفصل الذي يعود على ليلة القدر، هو السابع والعشرون في عدِّ الكلمات، وكأن الآية تنطق بأن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين، والله تعالى أعلم.

10 ـ فأردتُّ .. فأردنا .. فأراد ربك: في سورة الكهف ذكرت هذه الكلمات الثلاث قال تعالى في الآية الأولى عن السفينة:] أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [().

حيث أضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب، لأنها لفظة عيب فتأدب، بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله:] وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين [() فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تبارك وتعالى، وأسند إلى نفسه المرض، إذ هو معنى نقص ومصيبة، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح، وهذا كما قال تعالى:] بيدك الخير [() فاقتصر عليه، ولم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر، والنفع والضر، إذ هو على كل شيء قدير.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير