ولله تعالى أن يسند إلى نفسه ما يشاء، ويطلق عليا ما يريد، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة، والأفعال الشريفة، جل وتعالى عن النقائص والآفات علواً كبيراً.
الآية الثانية قال الله تعالى فيها عن الغلام:] وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [().
(فأردنا) وكأنه أضاف القتل إلى نفسه، والتبديل إلى الله تبارك وتعالى، والأشد كمال العقل والخلق، فأبدلهما الله تعالى ابنة، فتزوجها نبي، فولدت له اثنا عشر غلاماً كلهم أنبياء.
والآية الثالثة تتحدث عن الجدار قال الله تعالى:] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا [().
حيث أسند الإرادة في الجدار إلى الله تبارك وتعالى، لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل، وغيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر ـ عليه السلام ـ أراد ذلك، فالذي أعلمه هو الله تبارك وتعالى أن يريده.
وقيل: لما كان ذلك خيراً كله أضافه إلى الله تعالى.
وقيل: أسند الإرادة إلى الله تعالى ههنا لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله عز وجل] فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا [والله أعلم ().
11 ـ خشية إملاق نحن نرزقهم .. من إملاق نحن نرزقكم: الفرق شاسع وواسع بين الكلمتين، لذلك نجد أن القرآن الكريم عبَّرَ مرة هكذا ومرة هكذا.
فقال الله تعالى:] وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [().
وقال في آية أخرى:] وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم [().
ففي الآية الأولى قدم رزق المخاطبين وهم الآباء، على رزق أولادهم، لأن الفقر موجود بالفعل، وهو السبب المباشر لقتل الأولاد، وما دام الفقر موجود بالفعل، فالإنسان يكون مشغولاً برزق نفسه قبل أن يشغل برزق ولده، وهنا يطمئنه الله تعالى على رزقه فيقول:] نحن نرزقكم [يا أصحاب الإملاق وإياهم، فنأتي برزقهم أيضاً.
أما الآية الثانية، فالفقر غير موجود بالفعل، وإنما هو متوقع، فهم يخافون إن جاء لهم أولاد أن يأتي الفقر معهم، فيقول تعالى:] نحن نرزقهم [نحضرهم ونحضر معهم رزقهم، ونرزقكم أنتم أيضاً ().
12 ـ السارق والسارقة .. الزانية والزاني: قدم السارق على السارقة،لأن السرقة وقوعها من الرجل أغلب،لأنه أجرأ عليها،وأجلد وأخطر،فقدم عليها لذلك.
قال الله تعالى:] وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم [().
وقدم الزانية على الزاني،لأن الزنى من المرأة أقبح، وجرمه أشنع، لما يترتب عليه من تلطيخ فراش الرجل، وفساد الأنساب، وإلحاق العار بالعشيرة، ثم بعد كل هذا، الفضيحة بالنسبة للمرأة (بالحمل) تكون أظهر وأدوم،لذا قدمت على الرجل.
قال الله تعالى:] الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [().
قال القرطبي في تفسيره: قدمت الزانية في هذه الآية،من حيث كان في ذلك الزمان زنى النساء فاشٍ، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات،وكن مجاهرات بذلك،
وقيل: لأن الزنى في النساء أَعَر ()،وهو لأجل الحَبَلِ أَضَر،وقيل: لأن الشهوة في المرأة أكثر،وعليها أغلب،فصَدَّرَها تغليظاً لتُرْدِعَ شهوتَها،وإن كان قد ركب فيها حياء، ولكنها إذا زنت ذهب الحياء كله.
وأيضاً فإن العار بالنساء ألحق، إذ موضوعهن الحجب والصيانة، فقَدَّمَ ذكرَهنَّ تغليظاً واهتماماً ().
¥