تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(رب) الرب هو المربي جميع العالمين، وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة وخاصة، فالعامة: هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا. والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكملهم، ويدفع عنهم الصوارف، والعوائق الحائلة بينهم وبينه، وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة من كل شر، ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب، فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.

(العالمين) لم يبين هنا ما العالمون، وبين ذلك في موضع آخر بقوله تعالى في سورة الشعراء (قال فرعون وما رب العالمين، قال رب السماوات والأرض وما بينهما).

قال بعض العلماء: اشتقاق العالم من العلامة، لأن وجود العالم علامة لا شك فيها على وجود خالقه متصفاً بصفات الكمال والجلال. قال تعالى في سورة آل عمران (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) والآية في اللغة: العلامة.

3/ الرحمن الرحيم:

هما وصفان لله تعالى، واسمان من أسمائه الحسنى، مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم، لأن الرحمن هو ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلائق في الدنيا، وللمؤمنين في الآخرة، والرحيم ذو الرحمة للمؤمنين يوم القيامة، وعلى هذا أكثر العلماء.

وقد ذهب العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى أن الرحمن دال على الصفة القائمة بالذات، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، ولهذا لم يجء اسم الرحمن متعديا في القرآن قال تعالى: (وكان بالمؤمنين رحيما) ولم يقل رحماناً، وهذا من أحسن ما قيل في الفرق بينهما.

4/ مالك يوم الدين:

(مالك) أنه سبحانه وتعالى المتصف بصفة الملك التي من آثارها: أن يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات، وهو مالك يوم القيامة ومن فيه من إنس وجن وملائكة، وما فيه من جنة، ونار، وصراط، وميزان، وكتب، وهو وحده يقضي بين عباده.

(يوم الدين) الدين يطلق لغة على الحساب، وعلى المكافأة، وعلى الجزاء، وهو المناسب هنا، ودليله قوله تعالى: (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) وإنما قال: مالك يوم الدين، ولم يقل: مالك الدين ليعلم أن للدين يوماً معيناً يلقى فيه كل عامل جزاء عمله.

وقد جاء قوله (مالك يوم الدين) إثر قوله (الرحمن الرحيم) ليكون كترهيب بعد ترغيب،كما وأن يوم الدين لم يبينه الله تعالى هنا وبينه في سورة الانفطار بقوله: (وما أدراك ما يوم الدين، ثم ما أدراك ما يوم الدين، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً)

وليعلمنا الله أنه تعالى رب عباده بكلا النوعين من التربية، فهو رحيم بهم، ومجاز لهم على أعمالهم كما قال في سورة الحجر: (نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم، وأن عذابي هو العذاب الأليم).

5/ إياك نعبد وإياك نستعين:

أفادة الآية مسائل مهمة:

* تقديم العبادة على الاستعانة في الآية من باب تقديم العام على الخاص.واهتماماً بتقديم حقه تعالى على حق عبده. لأن العبد محتاج إليه في كل أحواله. فالعبادة هي الغاية، والاستعانة هي الوسيلة إليها.

قال ابن القيم في "مدارج السالكين": وسر الخلق، والكتب، والشرائع، والثواب، والعقاب، انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليها مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة: جمع معانيها في التوراة والإنجيل، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن في الفاتحة في: (إياك نعبد وإياك نستعين).

* قال ابو طالب الثعلبي في تفسيره: وقد جمع الله في هذه الآية إبطال الجبر والقدر معاً، لأنه وصف عباده بأنهم يعبدون فأثبت لهم كسباً، وعلمهم الاستعانة، ولو كان العبد مستطيعاً قبل الإعانة لما احتاج إلى الاستعانة فنفى عنهم القدرة فهو كقوله (وما رميت إذ رميت).

* أشار الله في هذه الآية الكريمة إلى تحقيق معنى لا إله إلا الله. لأن معناها مركب من أمرين: نفي وإثبات. فالنفي: خلع جميع المعبودات غير الله تعالى في جميع أنواع العبادات، والإثبات: إفراد رب السماوات والأرض وحده بجميع أنواع العبادات على الوجه المشروع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير