* وفي الآية وعدنا الله تعالى إذا نحن لجأنا إليه بإجابة سؤالنا كما قال في سورة غافر: (ادعوني أستجب لكم)، وأرشد إلى أنه قريب منا يسمع دعاءنا كما قال في سورة ق (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)، فلا يجوز الاستعانة بقبر ناسك، أو ضريح عابد لقضاء الإنسان حاجة له، أو تيسير أمر تعسر عليه، أو شفاء مريض، أو هلاك عدو. فمن فعل مثل هذا فقد ضل ضلالاً بعيداً.
* وفي الآية أن الإنسان مهما أوتي من حصافة الرأي، وحسن التدبير، وتقليب الأمور على وجوهها لا يستغني عن العون الإلهي واللطف الخفي.
* وفي الآية بيان أن الاستعانة بالله تعالى وحده ترادف التوكل على الله تعالى، وهي من كمال التوحيد والعبادة الخالصة له تعالى، وبهذا يكون المرء مع الله عبداً خاضعاً مخبتاً، ومع الناس حراً كريماً لا سلطان لأحد عليه.
6/ اهدنا الصراط المستقيم:
الهداية هي الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب، والصراط هو الطريق، والمستقيم ضد المعوج.
وعلى هذا فالمعنى: ربنا وفقنا إلى الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه.
وهداية الله للإنسان على ضروب: هداية الإلهام، وهداية الحواس، وهداية العقل، وهداية الأديان والشرائع. وإلى تلك الهدايات أشار الكتاب الكريم في آيات كثيرة كقوله تعالى في سورة البلد: (وهديناه النجدين) أي: طريقي الخير والشر والسعادة والشقاء، وقوله تعالى في سورة فصلت: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى) أي: أرشدناهم إلى طريق الخير والشر فاختاروا الثاني الذي عبر عنه بالعمى.
وهناك نوع آخر من الهداية هو المعونة والتوفيق للسير في طريق الخير، وهي التي أمرنا الله بطلبها في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) إذ المراد ـ دلنا دلالة تصحبها من لدنك معونة غيبية تحفظنا بها من الوقوع في الخطأ والضلال. وهذه الهداية خاصة به سبحانه لم يمنحها أحداً من خلقه، ومن ثم نفاها عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى في سورة القصص: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)، وقال تعالى في سورة البقرة: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) وأثبتها لنفسه في قوله تعالى في سورة الأنعام: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده).
أما الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحق، مع بيان ما يعقب ذلك من السعادة والفوز والفلاح، فهي مما تفضل الله بها على خلقه ومنحهموها ومن ثم أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله في سورة الشورى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)، وفي هذه الآية دلالة واضحة على أهمية اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا و (الصراط المستقيم) هو جملة ما يوصل إلى السعادة في الدنيا والآخرة، من عقائد وأحكام وآداب وتشريع ديني كالعلم الصحيح بالله والنبوة وأحوال الكون وأحوال الاجتماع.
وقد أرشدنا الله إلى طلب الهداية منه، ليكون عوناً لنا ينصرنا على أهوائنا وشهواتنا بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد في معرفة أحكام الشريعة، ونكلف أنفسنا الجري على سَننها، لنحصل على خيري الدنيا والآخرة.
قال الشيخ السعدي: فالهداية إلى الصراط، لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علماً وعملاً. فهذا الدعاء من أجمع الأدعية، وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك.
إذن فمن رحمته عز وجل وهو الرحمن الرحيم أنه سبحانه وتعالى علمنا أن نسأله الصراط المستقيم خالياً من أهله وأصحابه، فإذا عرفنا الصراط المستقيم عرفنا أهله وأصحابه، وحينئذ يقول القاريء (صراط الذين أنعمت عليهم) فاعرف الحق تعرف أهله، فالحق هو الصراط وأهله الذين أنعم الله عليهم.
7/ صراط الذين أنعمت عليهم غير المعغضوب عليهم ولا الضالين:
(صراط الذين أنعمت عليهم) لم يبين الله تعالى هنا من هؤلاء الذين أنعم عليهم وبين ذلك في سورة النساء بقوله: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا). فيؤخذ من هذه الآية صحة إمامة أبي بكر الصديق، ومريم داخلة في الآية ولقوله تعالى: (وأمه صديقة).
¥