تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالحجة فيه كتاب الله , قال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) [14].

فإن قال قائل: فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة , وإن محمد بعث إلى الناس كافة , فقد يحتمل أن يكون بُعث بلسان قومه خاصة , ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه , ويحتمل أن يكون بُعِث بألسنتهم , فهل من دليل على أنه بُعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم؟؟

فإن كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض , فلا بد أن يكون بعضهم تبعاً لبعض , وأن يكون الفضل في اللسان المتبَّع على التابع , وأولى الناس بالفضل باللسان , مَن لسانُه لسان النبي , ولا يجوز _ والله أعلم _ أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان في حرف واحد , بل كل لسان تبع للسانه , وكل أهل دين قبله عليهم اتباع دينه , وقد بيَّن الله ذلك في أكثر آية من كتابه , قال الله تعالى: (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) [15] وقال: (وكذلك أنزلناه حكماً عربياً) [16]، وقال: (وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها) [17].

وقال الشافعي أيضاً: (وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره , لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب , وكثرة وجوهه , وجماع معانيه وتفرقها , ومن عَلِمَه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها) [18].

واللغة العربية أيضاً , لغة الغنى والثراء والسعة , قال الإمام الشافعي: (لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً , وأكثرها ألفاظاً , ولا نعلمه يحيط بجميع علمه نبي , ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها حتى لا يكون موجوداً فيها) [19].

فلا يمكن لأحد إحصاء جميع الألفاظ العربية , مهما بلغ في اللغة شأواً بعيداً , وفي اللغة العربية كثير من الأسماء لمسمى واحد , كأسماء الأسد والحية والعسل , وممن ألف في المترادف , العلامة مجد الدين الفيروز أبادي صاحب (القاموس) , ألف فيه كتابا سماه: (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف) , وأفرد خلقٌ من الأئمة كتباً في أسماء أشياء مخصوصة , فألف ابن خالويه كتاباً في (أسماء الأسد) , وكتاباً في (أسماء الحية) , ذكر أمثلة من ذلك (العسل) له ثمانون اسماً , أوردها صاحب (القاموس) في كتابه الذي سماه: (ترقيق الأسل لتصفيق العسل) [20].

والعجب كل العجب من أولئك الذين يشكون من فقر اللغة العربية , وعجزها عن مواكبة العصر , والتطوُّر العلمي الهائل , ولله در الشاعر العربي حافظ إبراهيم , الذي قال على لسان العربية:

رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي= وناديت قومي فاحتسبت حياتي

رَمَوْني بعقم في الشباب وليتني= عقمت فلم أجزع لقول عُداتي

وسعت كتاب الله لفظاً وغاية= وما ضُقْت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة= وتنسيق أسماء لمخترعات

أنا البحر في أحشائه الدر كامن= فهل ساءلوا الغوَّاص عن صَدَفاتي؟

كما أن اللغة العربية لغة اشتقاقية , تقوم على أبواب الفعل الثلاثي , لذلك فإن خزائنها من المفردات يمكن أن تزداد دائماً , وكل الكلمات المشتقة من أصل ثلاثي معها المعنى الأصلي , بخلاف غيرها من اللغات , فالاشتقاق من أبرز هذه اللغة وخصائصها , وهو ثابت عن الباري سبحانه وتعالى.

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه , أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (أَنَا الرَّحْمَنُ , خَلَقْتُ الرَّحِمَ , وَشَقَقْتُ لَهَا مِنْ اسْمِي اسْمًا , فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ , وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ) [21].

وعدد الألفاظ المستعملة من اللغة العربية , خمسة ملايين وتسعة وتسعون ألفاً و أربعمائة لفظ , من جملة ستة ملايين وستمائة وتسعين ألفاً وأربعمائة لفظ , بينما نجد غيرها من اللغات الأوربية لا يبلغ عدد مفرداتها معشار ما بلغته مفردات العربية [22].

واللغة العربية لغة الفصاحة والبيان، قال الفارابي في (ديوان الأدب):

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير