تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولقد دوَّت أبواق الباطل في كل مكان , رافعة عقيرتها , وناعقة بالتمرد على اللغة العربية و تفتيتها وتمزيقها ـ والهدف هو القضاء على القرآن ـ لأن القرآن عربي , والعربية لغة القرآن, وارتباط كتاب سماوي منزَّل بلغة بعينها , أمر لا يعرف إلا لهذا الدين وهذه اللغة العربية وقد قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [27].

لقد شدَّ الإسلام أقواماً غير عرب إلى لغة العرب , ونشر اللغة العربية في بلاد لم يكن لها فيها نصير, ولا للعرب فيها سلطان , ولقد خرجت اللغة العربية من جزيرة العرب مع الفتح الإسلامي فإذا هي لغة أهل الشام والعراق ومصر وغيرها , وإذا بها تتعدَّى كونها لغة دين إلى لغة شعب ودولة.

ولا زال للإسلام أثره في نشر اللغة العربية , والحفاظ عليها في بلاد غير عربية , وأثره يفوق كثيراً آثار المراكز الثقافية التي نراها اليوم منتشرة في بلدان العالم , ثم إن أصحاب هذه المراكز, ينفقون الأموال الطائلة في سبيل الدعاية لمراكزهم وثقافتهم ونشر لغتهم , على حين أن الإسلام يجعل من البلاد التي ينتشر فيها , شعوباً راغبة في تعلم لغته , وما أكثر ما نسمع أصواتاً ترتفع في تلك البلاد , مطالبة بإرسال المدرسين العرب لتعليم اللغة العربية , أو مطالبة بقبول أبنائها في مدارس البلاد العربية , ليتعلموا اللغة العربية.

لقد استهوى الإسلام أقواماً فحبب إليهم لغته , بل كان الفضل عظيماً للإسلام في ظهور عدد لا يحصى من العلماء غير العرب , الذين بلغوا القمة في لغة العرب وعلومها من نحو وصرف وبلاغة, وهذا سيبويه , يقسم ليطلبنَّ علماً يزيل عنه اللحن , فانصرف إلى طلب النحو , ولم يكن من غرضه وقصده تعلم اللغة العربية , وإنما كان يريد علماً يفقهه في الدين.

فقد رووا أن سبب تعويله على الخليل في طلب النحو مع ماكان عليه من الميل إلى التفسير والحديث , فإنه سأل يوماً حماد بن سلمة فقال له:

أحدثك هشام بن عروة عن أبيه في رجل رعُف في الصلاة (بضم العين)؟

فقال له حماد: أخطأتَ إنما هو رعَف (بفتح العين) , فانصرف إلى الخليل فشكا إليه ما لقيه من حماد

فقال له الخليل: صدق حماد، ومثل حماد يقول هذا , ورعُف بضم العين لغة ضعيفة.

وقيل: إنه قدم البصرة من البيداء من قرى شيراز من عمل فارس , وكان مولده ومنشؤه بها, ليكتب الحديث ويرويه فلزم حلقة حماد بن سلمة, فبينما هو يستملي على حماد قول النبي صلى الله عليه وسلم:

ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء.

فقال سيبويه: ليس أبوالدرداء (بالرفع) وخمنه اسم (ليس)

فقال له حماد: لحنت يا سيبويه , ليس هذا حيث ذهبت , إنما (ليس) ههنا استثناء

فقال سيبويه: سأطلب علماً لا تلحنني فيه, فلزم الخليل وبرع في العلم [28].

لقد خرجت لغة الدين الحق الذي يؤمن به الملايين من الناس , خارج وطنها الأصلي, ويغارون عليها, ويفضلونها على لغتهم الأولى, ويرونها أفضل اللغات , وأحقها بالحياة, خرجت إلى الدنيا, وأصبحت عالمية مقدسة, لأنها لغة القرآن الكريم, وهي من أقوى وسائل الترابط بين العرب والمسلمين , لذلك استطاعت اللغة العربية أن تجمع تحت رايتها أمماً وأنساباً وأعراقاً ودماء شتى ممن يدينون بالإسلام.

خرجت لغة العرب من لغة قوم إلى لغة أقوام , ومن لغة محدودة بحدود أصحابها , إلى لغة دعوة جاءت إلى البشر كافة , فكانت لسان تلك الدعوة , ولغة تلك الرسالة , ومستودع ما نتج من تلك الرسالة من فكر وحضارة.

لقد عرف العرب كمال لغتهم في القرآن الكريم فاجتمعوا عليه , وأجمعوا على إعجازه , ولو لم يجتمعوا عليه لزاد ما بين لهجاتهم من تباين واختلاف , ولازدادوا بُعداً عن فصاحة لسانهم ووحدة لغتهم , تلك الوحدة اللغوية هي التي نزل القرآن فرسخها وأرسى قواعدها , ولو لم يوطد القرآن لهذه اللغة الموحدة أسبابها , ويرسخ لها بنيانها, لكان لها من لهجاتها القديمة والحديثة وما تتأثر به من عوامل مختلفة , لغات ولغات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير