تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما لا شك فيه أيضاً أن القرآن الكريم بانتقاله مشافهة ومتواترة , حفظ للغة العربية أصوات حروفها, وضبط مخارجها وأحكام نطقها , فحرف الجيم مثلاً في الشام غيرها في مصر , ولكن إذا رتَّل الشامي والمصري القرآن الكريم عاد الحرف إلى مخرجه الأصلي الصحيح , وأداه بصفاته وأحكامه.

لقد قامت بين اللغة العربية والإسلام صلات وثيقة يكثر تعدادها , ويصعب حصرها , فلا إسلام بلا قرآن , ولا قرآن بغير اللغة العربية , والعربية أقرب الطرق الموصلة إلى فهم الإسلام, وإدراك معانيه ومقاصده من منابعه العربية الأصيلة.

لذا لما أدرك الأذكياء من أعدائنا , أعداء العرب والمسلمين , أن الإسلام اتخذ العربية لساناً له, راحوا يصبون جام غضبهم وحقدهم على الإسلام وذلك بالطعن في اللغة العربية , يريدون أن يهدموا الجسر المؤدي بأهلها إليه , فكم من سهم وُجِّه إلى العربية ولا يراد به إلا الإسلام.

يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: (يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم .... ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم, حتى ننتصر عليهم) [29].

إنهم لا يرون الخطر الحقيقي إلا في الإسلام , لأنه لا يوجد مكان على وجه الأرض

إلا وقد اجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه , فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه , ومنذ أن ظهر في مكة لم يضعف عددياً , بل إن أتباعه يزدادون باستمرار.

إن الاستعمار بعد أن يئس أن تكون له ركائز في أرضنا , فكَّر وقدَّر , فقتل كيف قدَّر, ثم نظر, ثم تقدَّم وتطوَّر , واقتنع أن تكون له ركائز في أفكارنا , ووجد ذلك أسهل عليه وأخفى علينا, وأخذ يبثُّ سمومه وأفكاره , كلام في ظاهره الحرص على الإصلاح , ومن باطنه الحقد المتسعِّر والبغض الدفين.

وواجب العقلاء والمفكرين وحملة الأقلام المؤمنة , أن يؤدوا لهذه الأمة حقها من حصيلة عقولهم وأفكارهم وأقلامهم , إن لكل شيء زكاة , وزكاة العقل والفكر والقلم أن يقول كلمة الحق ويظل مرابطاً يتصدَّى للباطل , وإذا جاهد من يستطيع الجهاد بالنار والحديد , أو بالمال والعتاد, أفلا يجاهد صاحب الفكر والقلم بكلمة حق يقولها؟!

إن ضياء كلمة الحق ليس بأضأل من وهج الدماء المتدفقة من جروح الشهداء.

ثم إن الإقلال من ساعات تدريس القرآن الكريم في مدارسنا , سهم مسموم, موجَّه إلى اللغة العربية, قبل أن يكون سهماً إلى العقيدة الإسلامية , لذلك نرى طفل اليوم يتجاوز المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية , ثم يأخذ مكانه في مدرجات الجامعة وهو لا يزال يتعثر العثرات المتوالية في تلاوة القرآن الكريم , ولأجل هذا كله أخذ مستوى إتقان اللغة العربية, وتذوق آدابها ينحط تدريجياً في مختلف مراحل الدراسة [30].

إن الذين لا يولون القرآن كبير عناية , في عروبتهم نقص كبير , فبين العربية والقرآن أواصر لا تقطع, وصلات لا تدفع, ولا يطعن في العربية باسم الإسلام إلا شعوبي , ولا يطعن في الإسلام باسم العربية إلا جاهل أو غبي.

هذه اللغة العربية الخالدة والمشرقة , أي شيء أكسبها هذا الخلود وهذا الإشراق؟

لا ريب أن كل عربي سواء كان مسلماً أو غير مسلم , وكل مسلم عربياً كان أو أعجمياً, يعلم الجاذبية التي سرت في هذه اللغة , فأكسبها الديمومة والبقاء , هذه الجاذبية والروح الجبارة هي القرآن الكريم, إنه قطب الرحى للأمة الإسلامية.

إن القرآن الكريم قد مدَّ سلطان اللغة العربية على منطقة من أوسع مناطق الدنيا , واخترق بها قارات ثلاثاً هي: آسيا وأفريقيا وأوربا (الأندلس) , وجعل العربية هي اللغة العالمية المشتركة المنشودة , فكل مسلم يشعر أن العربية لغته لأن القرآن قد نزل بها.

ـ[محمد كالو]ــــــــ[29 Apr 2004, 02:44 ص]ـ

1 ـ يوسف: 2.

2 ـ الزمر: 27.

3 ـ فصلت: 3.

4 ـ الرسالة للإمام الشافعي: 1/ 47.

5 ـ النحل: 103.

6 ـ فصلت: 44.

7ـ انظر دراسات إسلامية: 91 منشورات الدعوة الإسلامية العالمية ـ بحث (القرآن واللغة العربية) د. إبر8اهيم عبد الله رفيدة

8ـ نحو وعي لغوي , د. مازن المبارك , الصفحة: / 19 /.

9ـ إبراهيم: 4.

10ـ لسان العرب لابن منظور مادة (عرب).

11ـ اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، لأحمد بن تيمية الحراني: 1/ 169.

12ـ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي: 2/ 477.

13ـ شعب الإيمان للإمام البيهقي: 2/ 425 برقم / 2287 /.

14ـ إبراهيم: 4.

ـ 15الشعراء: 192 ـ 193 ـ 194 ـ 195.

ـ 16الرعد: 37.

ـ 17الشورى: 7.

ـ 18الرسالة للإمام الشافعي: 1/ 45 ـ 46 /.

ـ 19المصدر نفسه: 1/ 50.

20 ـ المصدر نفسه: 1/ 42.

21 ـ المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي: 1/ 320.

22 ـ رواه الإمام أحمد في مسنده برقم: / 1589 /.

23ـ مجلة الفيصل العدد / 255 / رمضان 1418 هـ , اللغة العربية بعض خصائصها , شهادات أجنبية بأهميتها , محمد نعمان الدين الندوي , الصفحة: / 70 /.

24 ـ المزهر في علوم اللغة وأنواعها للسيوطي: 1/ 272.

25 ـ شعب بوان: من أرض فارس وهو أحد المواضع المتنزهة المشتهرة بالحسن وكثرة الأشجار وتدفق المياه وكثرة أنواع الأطيار.اهـ معجم البلدان.

26 ـ معجم البلدان لياقوت الحموي: 1/ 504.

27 ـ المفصل للزمخشري بشرح ابن يعيش: 1/ 5.

28 ـ الحجر: 9.

29ـ نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، لأحمد بن محمد المقري التلمساني: 4/ 84 ـ 85 والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي: 2/ 67 برقم:

/ 1202 /.

30 ـ قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله , جلال العالم: 50.

31 ـ انظر نحو وعي لغوي، د. مازن المبارك: 125 بتصرف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير