تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(الأمي) منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها؛ قال ابن عزيز. وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب؛ قال الله تعالى: (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) العنكبوت: 48]. وروي في الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)

ما الحكمة في كون الرسول أميا ولماذا التباهي والتفاخر بهذا الوصف على حد وصف المدعي؟

لا أعتقد أن القارئ من عدم عدم الوعي بحيث يحتاج إلى أن نبين له أن الأمية هنا دليل مصداقية لأن هذا النبي الذي يعرفونه جيدا ويدركون أنه مثل غالبيتهم لا يقرأ ولا يكتب ورغم هذا فقد جاءهم بهذا الكتاب المبين المتضمن من المعارف السابقة واللاحقة ما لا يعرف في سابقه إلا بتعلم وبلوغ رتبة فوق طاقة البشر، وفي لاحقه بما يحتاج إلى وقوف على الغيب.

ولأنه لم يكن هذا أو ذاك فقد ثبت أنه ما جاء بذلك إلا من خلال وصله بقوة فوق قوة البشر، ولأنه قد أعلن أن هذه القوة فوة إلهية وجاءهم على صدق دعواه بالمعجزات الحسية والمعنوية وفوق ذلك كله معجزته الكبرى القرآن، فقد لزم تصديقه ضرورة أنه جاء بذلك وهو الأمي الذي لم يختلف يوما إلى معلم ولم يبارح مكة هائما في رحلة علمية أو سائحا لحاجة معرفية ولم يتبع دينا كتابيا كاليهودية أو المسيحية.

ولنتخيل لو كان محمد صلى الله عليه وسلما متعلما قارئا كاتبا هل كانوا سيقبلون على القرآن وما جاء به إقبال الواثقين بأنه من عند الله أم كانوا سيقنعون بأن ما جاء به هو نتيجة تعلمه؟

بالطبع هذا ما كان سيحدث، بدليل أن مدعي عدم الأمية الآن يريدون أن يصلوا إلى تلك الغاية.

أدلة القائلين بعدم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم ودمغها:

يحتج القائلون بعدم أمية الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه كان متعلما بعدة أدلة أهمها:

1 - أن لفظ الأمي يطلق على غير الكتابي في مصطلح الكتابيين، وهذا ما نقشناه فيما مضى حيث أبرزنا الصلة الحميمة بين المعنيين المطروحين على بساط البحث.

2 - يقولون: إن أول آية نزلت في القرآن هي قوله تعالى: {اقرأ} فكيف يأمره بالقراءة ما لم يكن قارئا؟ والجواب أنه أمره بذلك ليوقفه على أن المسببات وإن كانت مرهونة بأسبابها، لكنها أمام سلطان الله ليست كذلك، فها أنت يا محمد أمي لا تقرأ ولا تكتب، ولكن الله سيعينك على حفظ ما سنزله عليك أفضل من حفظ من يجيدون القراءة والكتابة والمذاكرة، ولذا قال له {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} أي مستعينا به فمنه العون وقد أعانه وضمن له الحفظ وقال له: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 16 إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ .. } وهؤلاء الذين استدلوا بالآية على دعوى إجادته القراءة نسوا الملابسة التي أحاطت بنزول الآية

ورد في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: الصحيحين عنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم؛ فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك؛ ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها؛ حتى فجئه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: (اقرأ) فقال: (ما أنا بقارئ - قال - فأخذني فغطني، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني) قال: "أقرأ " فقلت: "ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: "اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم "

إنه يصرح بأميته ويقول: " ما أنا بقارئ " ويكررها، فهل يصلح هذا دليلا على صدق الدعوى؟

3 - يقولون: إن علي بن أبي طالب كان يجيد القراءة والكتابة وفيه دليل على أن محمدا – صلى اله عليه وسلم – كان يجيد ها أيضا لأنه تربى مع علي في بيت عمه أبي طالب، فلا يعقل أن يكون علي قد انفرد بذلك دونه.

وللجواب جوابا مختصرا قاطعا عن ذلك لابد من كبت دافع التهكم والسخرية، فما أوهى الأدلة إن كان هذا دليلا، وكأن كل بيت فيه متعلم واحد قد صار دليلا على تعلم البيت كله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير