والحديث ظاهر فيه الاختلاف على سعيد بن زنبور .. وهو يروي غرائب وله مخالفات. تاريخ بغداد (9: 127).
وسليم الخشاب .. قال ابن حبان: "يروي عن الثقات الموضوعات الذي يتخايل إلى المستمع لها وإن لم يكن الحديث صناعته أنها موضوعة كان يحيى بن معين يزعم أنه كان جهميا خبيثا".
وأما بقية المتابعات ففيها غرابة وبعضها منكر.
قال صاحبنا الدكتور عبدالله الزهراني في تخريجه لهذا الحديث في حاشيته على (المراسيل لأبي داود): "اختلف على ابن جُريج ثقتان وزاد أحدهما الوصل، وتأيدت زيادة الوصل بما تقدم من أن الوصل ثابت من حديث الثقات الحفاظ، وأن الحافظ الذهبي حكم للموصول بالثبوت، فالمتعين قبول زيادة الوصل. والله أعلم". اهـ.
قلت: فاته رواية حجاج المصيصي عن ابن جريج وهي مرسلة .. فاتفق الثقتان عبدالرزاق وحجاج على الإرسال .. وخالفهما الوليد بن مسلم، وهو وإن كان ثقة إلا أن في سنده كلام ذكره الحاكم، وهو مؤثر في نظري؛ فقد اختلف عليه راوياه دحيم بن اليتيم وهو ثقة حافظ مشهور وقد قصر فيه فلم يذكر فيه سعيد بن جبير؟!. فروايته لا تستقيم للترجيح؛ لأجل هذه العلة.
ومحمد بن عمرو الضرير الراوي عن الوليد هو الغزي وقع مبينًا في رواية البيهقي، وهو أحد العباد المشاهير، من رجال الحلية. ترجمه الذهبي في السير (11: 464) .. وليس بالحافظ حتى نقدم روايته على رواية الحافظين الثقتين حجاج وعبدالرزاق .. خاصة أن حجاج كتب التفسير إملاءً عن ابن جريج، فيكون له نوع خصوصية.
وأنا أتفق مع الأخ الكريم في تقديم الوصل .. وأزيد أن هذا الاختلاف في نظري من جهة عمرو بن دينار .. رواه مرةً مرسلاً ومرةً موصولاً.
والمسالة فيها أقوال ثلاثة:
أولها: فأكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل .. وبهذا نفسر ترجيح أبي داود لرواية الإرسال.
قال ابن الصلاح: "وكثيرًا ما يعللون الموصول بالمرسل".
ثانيها: أن الحكم للأكثر.
ثالثها: أن الحكم للأحفظ .. فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله .. وصحح هذا القول الخطيب.
قال ابن الصلاح: "وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله".
وعدَّ البخاري (رحمه الله) مثل هذا زيادة ثقة .. وهي مقبولة.
انظر الكفاية (ص411 ـ 412)، ومعرفة أنواع علم الحديث (ص71 ـ 72)، (ص85 ـ 86).
قال البقاعي: " إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، فإن للحذاق من المحدثين في هذه المسألة نظرًا لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون منها بحكم مطرد، وإنما يديرون ذلك على القرائن".
قلت: نص على هذا ابن دقيق، فقال: " من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنهم إذا تعارض رواية مسند ومرسل، أو رافع وواقف، أو ناقص وزائد، إن الحكم للزائد لم يصب في هذا الإطلاق؛ لأن ذلك ليس قانونًا مطردًا، والمراجعة لأحكامهم الجزئية تعرف صواب ما نقول". انظر توضيح الأفكار (1: 339)، (1: 343 ـ 344).
وترجيحنا لرواية الوصل لا نعني به قدحًا في من أرسل لا في عدالته ولا في أهليته .. فقد جرى بعض أهل العلم على جعل ذلك من قبيل الجرح.
فالذي ترجح أنه لا يحكم فيها بحكم مطرد، بل ينظر في هذا إلى القرائن المحتفة بكل حديث بحسبه .. لذا لم أوافق أبا داود على إعلاله لهذه الرواية بالإرسال، ومشيت فيه على اعتبار القرينة في الترجيح، وهي هنا الاختلاف من وجهين على راو واحد وهو عمرو بن دينار، وسمع منه سفيان وابن جريج هذا فروياه على الوجهين، ومن هنا وقع الاختلاف .. مما لا يمكن تفسيره إلا بروايته له مرة موصولاً وأخرى مرسلاً، والقصر في الرواية مشى عليه طائفة من متقدمي أهل الحديث (والله أعلم).
(3) وأما حديث عمر بن قيس:
فأخرجه ابن عدي في الكامل (3: 178): ثنا محمد بن منير، ثنا عيسى العسقلاني، ثنا رواد بن الجراح، ثنا عمر بن قيس، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعرف خواتيم السور حين يقول: َ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عرف أنها قد ختمت السورة.
قال الشيخ: "وهذا الحديث عن عمر بن قيس يرويه عن عمرو بن دينار عن بن عباس ولا يجعل بينهما سعيد".
¥