تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أ – العلاقة السببية: وهي (أن يكون اللفظ المذكور مسبباً عن المعنى المقصود … نحو قوله تعالى: (والرجز فاهجر) (المدثر: 5) فالمعنى الحقيقي للرجز العذاب الشديد لأنه مسبب عن عبادة الأصنام) (4) فقد سمي كيد الشيطان رجزاً وذلك لأنه سبب للعذاب وقد سميت الأصنام رجزاً لهذا المعنى أيضاً (1) وهذا أبلغ لأنه أشد في صرفهم عن عبادة الأصنام لما ترتب من التذكير بالعاقبة من هذه العبادة.

ب - العلاقة الجزئية: وهي أن يكون المذكور جزءاً من المعنى المقصود، ومثاله التعبير عن الصلاة بالقيام في قوله تعالى: (يا آيها المزمل قُمْ الليل إلا قليلاً) (المزمل: 2) والقيام إنما هو جزء من الصلاة فعبّر بالجزء وهو القيام وأراد الكل (2) وإنما عُبّر عن الصلاة هنا لأن المشقة في صلاة الليل ترجع إلى القيام فقد قاموا (حتى ورمت أقدامهم وسوقهم) (3)، ومنه قوله تعالى: (سنسمه على الخرطوم) (القلم: 16) أي سنجعل له علامة على أنفه الذي هو الأظهر في الوجه وفي ذلك كناية عن عارٍ يلزمُهُ (4) لأن الوجه أكرم موضع في الجسد والأنف أكرم موضع منه لتقدمه، لذلك جعلوه مكان العز والحمية واشتقوا منه الأَنَفَة فعبّر بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة لأن السمة على الوجه شينٌ فكيف بها على أكرم موضعٍ منه (5)، والتسمية بالعلاقة الخاصة واحد من أبرز الأساليب التي يظهر فيها توافق المفردة والسياق ومجيئها له دون غيره وبما يحقق للبنية وحدتها الموضوعية قال تعالى: (كلا إنها لظى نزاعةً للشوى) (المعارج: 16) والشوى (الأطراف أو جمع شواة وهي جلدة الرأس تنتزعها نزعاً فتبتكها ثم تعاد) (6) فأي أجزاء الجسم أشد إيلاماً من هذه مما ناسب تخصيصها دون سواها بالعذاب، في حين اختار من الأشجار أفنانها لما كان الحديث ضمن سياق النعم قال تعالى: (ذواتا أفنان) (الرحمن: 48) فقد اختار هذا الجزء دون غيره لما ناسب من ملائمته للسياق الذي يتحدث عن دقائق النعم فقد (خصّ الأفنان بالذكر وهي الغضة التي تتشعب من فروع الشجرة لأنها هي التي تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلال ومنها تجتنى الثمرات) (7) وقد يعبر عن الشيء ببعضه لما يحققه هذا الأسلوب من تكثيفٍ في المعاني بأوجز الألفاظ وأبسطها كما في قوله تعالى: (أخرجَ منها ماءها ومرعاها) (النازعات: 31) فقد أغنت هاتان اللفظتان عن ذكر أي لفظة أخرى إذ (دلّ بهاتين الكلمتين على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام من العشب والشجر والحب … والنار والملح لأن النار من العيدان والملح من الماء) (1).

ج - العلاقة المحلية: وهي تسمية الشيء باسم محله كقوله تعالى: (فليدع ناديه) (العلق: 17) أي أهل ناديه، والنادي لا يُدعى وإنما هو مكان اجتماع الناس فعبّر بالمحل وأراد ما يَحلُّ فيه (2) والدرس الأسلوبي يتعامل مع المذكور ويعطيه قيمة تعبيرية بالتضمن فكأنه تعالى استهزاءً به أمرهُ أن يدعو كل من في ناديه بل ليدع ناديه نفسه وفي هذا عدول عن ألفاظ مثل (عشيرتك، أصحابك ... ) إلى هذا أو على نية حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامة غير أن هذا الحذف لابد من أن يكون لوجهٍ تأثيري ولغاية في التعبير، ذلك أن القوة كثيراً ما تُستمد من قرب الإنسان من محله ومنزله فلفظ ناديه المُعبّر به يحمل من المعاني الأشياء الكثيرة ففيه عصبة الرجل وأصحابه وفيه رمزٌ لقوته وبأسه واطمئنانه، ومع ذلك أمره وتحداه أن يدعوه ولعل فيه تهكماً بهؤلاء باستخدام لفظ (ناديه) لأنهم غالباً ما يكونون فيه مخمورين لاهين لا قوة أو إدراك لهم، وقد قرن الله تعالى المنكر بلفظ النادي في قوله تعالى: (وتأتون في ناديكم المنكر) (العنكبوت: 29)، وبهذا يصبح من الواضح (أن سخرية القرآن تحتوي على ألفاظ حين نتأملها ونحاول تذوقها نجد أنها توحي بمعانٍ ومشاعر وأجواء فوق دلالتها الأصلية وكثيراً ما تتركز سخرية المعنى كله في لفظ واحد) (3).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير