سادساً: اختيار المفردة ذات الدلالات المتعددة: فالتعبير القرآني كثيراً ما يختار مفردة معينة ولها أكثر من دلالة واحدة مما يعني أننا سنكون حيال مهمة تحديد القصدية في هذا؟ وهل قُصد إلى أحد هذه المعاني أم إن المعاني مرادةٌ على التوسع؟ فمن الناحية الأصولية ذهب أغلب الأصوليين إلى جواز إرادة أكثر من معنى واحد للفظة فقد (أجاز مالك والشافعي استعمال اللفظ الواحد في معنيين فأكثر في حالة واحدة ومنعه قوم) (3)، وقد ردّ الدكتور أحمد نصيف الجنابي القول بأن وجود المشترك اللفظي يولد الإبهام أو الغموض أو التعمية (4). وذهب إلى أن سبب هذا القول وغيره كان نتيجة عدم مراعاة السياق والمعنى الحضوري للتركيب اللغوي والتركيز الدلالي وهذا الذي يهمني هنا في هذه الدراسة أي (تكثيف أكثر من معنى في اللفظة الواحدة في جملة واحدة في سياق واحد لغاية وهدف مقصودين بحيث تكون كل تلك المعاني مطلوبة في التركيب اللغوي مقصودة من إيراده) (5)، وقد ابتعدت عن تسمية هذه الظاهرة الأسلوبية بالمشترك اللفظي لكونه لا يمثل إلا جانباً من جوانبها كلفظة (قسورة) التي فُسرت بأنها الرامي أو الأسد (6) أو جماعة الرماة أو ركز الناس وأصواتهم أو ظلمة الليل (7) وبهذا تتواشج هذه المعاني لترسم أبلغ صورة لهؤلاء الذين كانوا ينفرون من مجرد صوت القرآن كما تنفر الحمر من أي صوتٍ تسمعه أو أي شخصٍ تراه أو حيوان تشاهده خوفاً من أن يفترسها فـ (الصفة الجامعة بينهما أن كلاً منهما ضعيف منهار أمام جبّار قوي، مقدرٌ أنه واقعٌ لا محالة لأن الصائد مما لا تمكن مقاومته لأنه قسورة فالأسلم إذن الهزيمة والفرار) (فكيف إذا أضيف إلى كل هذا أنها تعني ظلمة الليل والركز والصوت المزعج حيث الخوف أكبر وأكبر وبهذا لا يزداد التصوير إلا تكثيفاً في الدلالة على مصدر الخوف.
ومن ذلك قوله تعالى: (ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين) (الحاقة: 44 - 45) فـ (يجوز أن تكون اليمين ههنا راجعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيكون بمعنى لو فعل ذلك لسلبناه قدرته وانتزعنا منه قوّته) (1) بالإضافة إلى المعنى المتبادر إلى الذهن …
** ** **
* الحواشي:
1) التفسير البياني، 1/ 206.
2) الإعجاز البياني في كتاب العربية الأكبر، 214.
3) تلخيص البيان، 240.
4) تاريخ آداب العرب، 2/ 261.
5) البديع في ضوء أساليب القرآن، 145.
6) الإعجاز البياني ومسائل ابن الأزرق، 461.
7) الكشاف، 4/ 18، وينظر: معنى (راغ) في معجم ألفاظ القرآن، 1/ 527، والإنتصاف، 4/ 18
بديع القرآن، 21.
9) المفردات، 6.
10) ينظر: الكشاف، 4/ 220، وشرح شواهد الكشاف، 4/ 455.
11) المحتسب، 2/ 300.
12) معجم ألفاظ القرآن، 1/ 283.
13) الكشاف، 4/ 40.
14) ينظر: المفردات، 799 – 800.
15) الكشاف 4/ 362.
16) في ظلال القرآن 7/ 694.
17) ينظر: تفسير الرازي 30/ 102.
18) معجم ألفاظ القرآن 1/ 37.
19) المفردات 19.
20) تفسير الرازي 30/ 103.
21) معجم ألفاظ القرآن 2/ 282.
22) المفردات 541.
23) الكشاف 4/ 557.
24) معجم ألفاظ القرآن 2/ 145.
25) تفسير غريب القرآن 515.
26) ينظر تفسير التحرير والتنوير 27/ 159.
27) نهاية الإيجاز 136 وينظر نهاية الأرب 7/ 60.
28) معجم ألفاظ القرآن 1/ 283.
29) الكشاف 4/ 284 وينظر تلخيص البيان 283 – 284.
30) من بديع لغة التنزيل 312.
31) ينظر: الإنتصاف 4/ 284.
32) المفردات 503.
33) معجم غريب القرآن 268.
34) ينظر الإعجاز البياني ومسائل ابن الأزرق 359.
35) ينظر الأعمال الكاملة لمحمد عبده 5/ 311.
36) الكشاف 4/ 4.
37) ينظر القرآن إعجازه وبلاغته 170 – 171.
38) ينظر: تفسير الرازي 30/ 193، والفوائد 19.
39) ينظر القرآن إعجازه … 173.
40) تفسير الرازي 30/ 172.
41) ينظر معجم ألفاظ القرآن 1/ 344.
42) ينظر الكشاف 4/ 471.
43) الكشاف 4/ 158.
44) الكشاف 4/ 452.
45) الإتقان 2/ 55، والطبيعة في القرآن 451.
46) القرآن إعجازه وبلاغته 178، وينظر معجم الألفاظ 2/ 694.
47) أسلوب السخرية 432.
48) ينظر: البديع في ضوء أساليب القرآن 148، والإتقان 2/ 102، ودرة التنزيل 495 – 496.
49) ينظر: تفسير غريب القرآن 480، والكشاف 1/ 273 وتفسير الرازي 30/ 90، وتفسير ابن كثير 4/ 406 ومعجم الألفاظ 2/ 848.
50) قاموس القرآن 488 …
51) تلخيص البيان 235.
52) ينظر: المفردات 361.
53) ينظر: تلخيص البيان 277.
54) ينظر: قاموس القرآن 188.
55) الكشاف 4/ 286.
56) المختار من التفسير 1/ 71.
57) تقريب الوصول إلى علم الأصول 64، وإليه ذهب الباقلاني والجمهور وبعض المعتزلة، ينظر: شرح جمع الجوامع 1/ 294، وتنقيح الفصول 459، وإرشاد الفحول 20.
58) ينظر: ظاهرة المشترك اللفظي 393 – 394.
59) المصدر السابق 404.
60) ينظر: معاني القرآن 3/ 206، وتفسير غريب القرآن 498، والمفردات 608.
61) ينظر: تفسير الرازي 30/ 212.
62) التشبيهات القرآنية 187.
63) ينظر: تلخيص البيان 258.
¥