تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - بالزيادة: قال تعالى: (وطور سينين) (التين: 2) فقد عَدَلَ في هذا السياق عن الصيغة الأخرى التي وردت في سورة (المؤمنون) وهي? طور سيناء ? (المؤمنون: 20) ومنه قوله تعالى: (وتظنون بالله الظنونا) (الأحزاب: 10) فقد قال الدكتور إبراهيم السامرائي (ولولا رعاية الفاصلة ... لكان من الصواب والصحة أن تكون الآية (وتظنون بالله الظنونَ) (27)، وهو يعود إلى فكرة التناسب والتشاكل في قوله تعالى: (إنا اعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً) (الإنسان: 4) وذلك ليتناسب قوله (سلاسلاً) مع قوله (أغلالاً وسعيراً) فالتناسب مقصود يقتضيه تجويد الأداء (28)، وإذا كانت فكرة التناسب والتشاكل جديرة بالاهتمام من حيث طول الجملة وإيقاعها إلا أنَّ هذه الفكرة ليست إلا تكراراً لفكرة مراعاة الفاصلة عندما يقصد بالتشاكل مجرد تناغم بين الألفاظ وهذا عين ما رفضته بنت الشاطيء إلا بعد إيجاد سبب دلالي لهذا، ذلك أن المشاكلة اللفظية عندما تدرس بمعزلٍ عن الأسباب الدلالية أو الاقتضاءات المعنوية التي تواشج دلالة السياق العامة ستؤدي إلى مثل ما وقع به الفراء في قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربّه جنتان) (الرحمن: 46) حيث قال: ( ... وقد يكون في العربية: جنّة تثنيها العرب في أشعارها؛ أنشدني بعضهم … وذلك أن الشعر له قوافٍ يقيمها الزيادة والنقصان فيحتمل ما لا يحتمله الكلام …) (29) وقد وصف الرازي هذا القول بالباطل (30)، وقال ابن قتيبة: (وهذا من أعجب ما حُمِلَ عليه كتاب الله ونحن نعوذ بالله أن نتعسف هذا التعسف ونُجيز على الله - جلَّ ثناؤه – الزيادة والنقص في الكلام، لرأس آية … أما أن يكون الله عز وجلّ وَعَدَ جنتين فيجعلهما جنّةً واحدة من أجل رؤوس الآي -: فمعاذ الله) (31)، والدليل على صحته ما قاله ابن قتيبة مجيء السياق بوصفهما بصفات الأثنين فقال: (ذواتا أفنان) (الرحمن: 48) ثم قال: (فيهما … فيهما) (الرحمن: 50، 52) (32).

وعوداً إلى موضوع الحذف والزيادة في الفاصلة يمكن أن يُعدَّ موقف ابن قتيبة الأكثر اعتدالاً إذ جوّز في رؤوس الآي أن يزيد هاء السكت كقوله تعالى: (وما أدراك ماهيه) (القارعة: 10) وألفاً كقوله تعالى: (وتظنون بالله الظنونا) (الأحزاب: 10) أو يحذف همزة من الحرف ... أو ياءً كقوله تعالى: (والليل إذا يسرِ) لتستوي رؤوس الآي على مذهب العرب في الكلام إذا تمَّ فآذنت بانقطاعه وابتداء غيره لأنه مما لا يزيل معنى عن جهته ولا يزيد ولا ينقص ... (33).

وبهذا يمكن الوثوق بأن القرآن اعتنى بالجانب الصوتي من حيث المشاكلة والتناسق دون أن يُخلَّ ذلك بدلالة التعبير بل جاءت هذه العناية غالباً وبما يخدم ويضفي على التعبير قيماً دلالية جديدة كما سيأتي، ومن هذا التأكيد أستطيع القول بغرابة ما ذهب إليه الدكتور إبراهيم السامرائي في قوله عن تقديم (إيّاك) في قوله تعالى: (إيّاك نعبدُ وإياك نستعين) (الفاتحة: 4): ( ... إن العناية بالشكل في نظام الفواصل هذا هي وحدها استدعت هذا التقديم وليس من أجل غرض آخر) (34) لأن مقتضى الإعجاز كما تقول بنت الشاطيء: أنه ما من فاصلة قرآنية لا يقتضي لفظُها في سياقه دلالة معنوية لا يؤديها لفظ سواه قد نصل إلى تدبره فنهتدي إلى سرّه البياني وقد يغيب عنا فنقرُّ بالقصور عن إدراكه (35)، والذي قالته السيدة بنت الشاطيء هو الصحيح لا من منطلق العقيدة الدينية وتقديس القرآن - وإن كان هذا كافياً - وإنما من عدة ملاحظات استطاع الباحثون المحدثون أن تسجيلها منها:

1. اختيار مفردة لمعناها مع وجود أخرى تحقق الفاصلة: قال تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) (الحج: 26) وقبلها ( ....... وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود) (الحج 27) فقد عدل عن (بعيد) كفاصلة واستخدم (عميق) بدلاً منها مع إنها هي ما يُشاكل الفاصلة السابقة (السِّجُود) وذلك لأن السياق يُعبر عن مشقة السفر وبعده وفي العمق تصوير (لما يشعر به المرء أمام طريقٍ حُصِرَ بين جبلين فصار كأنَّ له طولاً وعرضاً وعمقاً) (36)، وقال تعالى: (قل أعوذُ بربِّ الفلقِ * من شرِ ما خلق * ومن شرِّ غاسقٍ إذا وقب * ومن شرِ النفاثاتِ في العقد *

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير