يجد القارئ أنها بنيت بطريقةٍ خاصة، فقد ابتدأت بالحديث عن خلق الإنسان (… ما غرّكَ بربك الكريم الذي خلقك فسوّاك) (الانفطار: 1 - 3) لتتناول بعد هذا الحديث عن أعمال الإنسان وكتابة الملكين لها (كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين ... ) (الانفطار: 4 - 7) لينتقل الحديث بعدها عن يوم القيامة (إن الأبرار لفي نعيم وإنّ الفجار لفي جحيم يصلونها يومَ الدين ... ) (الانفطار: 8 - 13) لينهي السورة بتحديد منتهى الأمر ومرجعه (يوم لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً والأمر يومئذٍ لله) (الانفطار: 14) حيث يتفرد الله سبحانه وهو المتفرد بالأمر في الدنيا والآخرة (50).
3. الاختيار يلغي الزيادة: يقول أحد الباحثين (إن العلاقة المعنوية بين الفاصلة والآية - كما هي في الأيغال (51) - تختلف عما هي عليه في التعقيب إذ ليس التعقيب بزائدٍ عن معنى الآية أو الآيات قبله ... ) (52)، وكأن الفاصلة زائدة - كما هي في الأيغال - عن معنى الآية أو الآيات التي قبلها، وفي هذا تعارض مع ما سبق الكلام عنه: من أنّ الاختيار على السعة منافٍ للزيادة في اللفظ، وقد قال البلاغيون بالأيغال لما استشعروا من اضطرارٍ يُلجِأُ الشاعر للقافية لذلك قصروا الأيغال على القوافي أو طرف البيت دون الحشو يقول ابن رشيق: (هو ضربٌ من المبالغة إلا أنه في القوافي خاصة لا يعدوها) (53)، فإذا كان الاختيار في القرآن غير مشروطٍ فكيف نقول بكلمات الحاجة والاحتياج التي تعجُّ بها تعريفات (الأيغال)، ثم أليس في التفرقة بين التتميم والأيغال أن الأيغال لا يَردُ إلا على معنى تام من كل وجه (54)، وهذا إنما يقصد به تمام المعنى الإبلاغي (الإخباري) أما التعبير الفني فأنه لا تمام فيه إلا بعد استحضار كل ما يتطلبه المعنى من ألفاظ وتلك لطيفة تنبه لها ابن جني في كلامه عن قوله تعالى: (فخرّ عليهم السقف من فوقهم) (النحل: 26) حيث قال: (لو قيل: فخرّ عليهم السقف ولم يقل: من فوقهم لجاز أن يُظنَّ به أنه كقولك: قد خُرِّبت عليهم دارهم، وقد أُهلكت عليهم مواشيهم وغلاّتهم وقد تلفت عليهم تجاراتهم، فإذا قال: (من فوقهم) زال ذلك المعنى المحتمل، وصار معناه أنه سقط وهم من تحته، فهذا معنى غير الأول) (55)، وفرقٌ كبير بين أن يكون اللفظ زائداً وبين أن يكون المعنى به غيره بدونه.
نعم إن البلاغيين يقولون إن في الإيغال مع زيادته نكتة بلاغية وإنه قد لا يخلو من إضافة في توضيح المعنى أو توكيده، ولنأخذ قوله تعالى: (وذللت قطوفها تذليلاً) أو قوله تعالى: (كلا إذا دُكّت الأرض دكاً دكا) (56) ... الخ.
ولو حذفت (تذليلاً) إذا كانت بعد (تمام المعنى من كل وجه) سيكون الكلام: وذللت قطوفها، وبعيداً عن جمالية الإيقاع والمشاكلة التي جاء عليها، ألا يمكن أن يحمل هذا القول على المجاز كما حُمل غيره؟ إن وجود لفظة (تذليلا) غَيَّر معنى الجملة بل حتّم أن تكون على الحقيقة لأن المجاز لا يؤكد فـ (العرب لا تؤكد بالمصدر إلا إذا كان الحقيقة) (57)، فهل مثل هذا زيادة جاءت بعد تمام المعنى من كل وجهة لتشبيه أو تأكيد؟ والمسلمون من أهل السنة إنما استدلوا على ثبوت كلام الله على الحقيقة بقوله تعالى: (وكلم اللهُ موسى تكليماً) (النساء: 164) لذلك قال الصرصري في قصيدة مَدَحَ فيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتحدث عن عقيدته (58):
وكلَمَ موسى والكلامُ حقيقة بتوكيده بالمصدر الخصم يُقطَعُ
الحواشي:
1) النكت 89.
2) كثيراً ما ارتبط الواو وحركته (الضمة) بمعنى القوة والياء وحركته الكسرة بمعنى الضعف والرقة.
3) ينظر: علم الأصوات العام 96.
4) ينظر: التفسير البياني 1/ 30.
5) ينظر: الدراسات الصوتية 192.
6) ينظر: علم الأصوات العام 128.
7) ينظر: التفسير البياني 1/ 38 – 40.
8) ينظر: الكشاف 4/ 263 – 264، والطبري 30/ 147، والبحر 8/ 485.
9) التفسير البياني 1/ 35.
01) ينظر: المصدر السابق 1/ 35.
11) ينظر: الدراسات الصوتية عند علماء التجويد 482 – 483.
21) ينظر: المصدر السابق 482.
31) ينظر: فن التقطيع الشعري 282.
¥