ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[08 Oct 2005, 11:43 م]ـ
قال ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة: (الوجه الرابع والثلاثون: بيان أن كثيراً من المفسرين رد ألفاظ القرآن من العموم إلى الخصوص كما عند كثير من المؤولة:
إنك تجد عند كثير من المعروفين بالتفسير من رد كثير من ألفاظ القرآن عن العموم إلى الخصوص نظير ما تجده من ذلك عند أرباب التأويلات المستنكرة، ومتى تأملت الحال فيما سوغوه من ذلك وجدتها عائدة من الضرر على الدين بأعظم مما عاد من ضرر كثير من التأويلات، وذلك لأنهم بالقصد إلى ذلك فتحوا لأرباب التأويلات الباطلة السبيل إلى التهافت فيها فعظمت بذلك الجناية من هؤلاء وهؤلاء على الدين وأهله.
وتجد الأسباب الداعية للطائفتين قصد الإغراب على الناس في وجوه التفسير والتأويل وادعاؤهم أن عندهم منها نوادر لا توجد عند عامة الناس لعلمهم أن الأمر الظاهر المعلوم يشترك الناس في معرفته فلا مزية فيه، والشيء النادر المستظرف يحل محل الإعجاب، وتتحرك الهمم لسماعه، واستفادته لما جبل الناس عليه من إيثار المستظرفات والغرائب، وهذا من أكثر أسباب الأكاذيب في المنقولات والتحريف لمعانيها ونحلتها معاني غريبة غير مألوفة وإلا فلو اقتصروا على ما يعرف من الآثار وعلى ما يفهمه العامة من معانيها لسلم علم القرآن والسنة من التأويلات الباطلة والتحريفات، وهذا أمر موجود في غيرهم كما تجد المتعنتين بوجوه القرآن يأتون من القراءات البديعة المستشنعة في ألفاظها ومعانيها الخارجة عن قراءة العامة وما ألفوه، ما يغربون به على العامة، وأنه قد أوتوا من علم القرآن ما لم يؤته سواهم، وكذلك أصحاب الإعراب يذكرون من الوجوه المستكرهة البعيدة المتعقدة ما يغربون به على الناس، وكذلك كثير من المفسرين يأتون بالعجائب التي تنفر عنها النفوس ويأباها القرآن أشد الإباء:
كقول بعضهم: "طه" لفظة نبطية معناها يا رجل ويا إنسان، وقال بعضهم هي من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم مع يس، وعدوا في أسمائه طه ويس
وقال بعضهم في نون والقلم إنها الدواة كأنه لما رأى هذا الحرف قد اقترن بالقلم جعله الدواة
وقال بعضهم في صاد إنها فعل ماض مثل رام وقاض.
وكما قال بعضهم في قوله: " إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً "، هو الذي له سحر أي رئة. أفترى أراد بقوله لموسى: " إني لأظنك يا موسى مسحورا "، هذا المعنى، وأراد الكفار بقولهم: " إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون "، هذا المعنى.
وكما قال آخرون في قوله: " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة ": إن المعنى يرزقه، واستشهدوا بقولهم أرض منصورة أي ممطورة، ولو تأمل هذا القائل سياق الآية وآخرها لعلم أن تفسير النصر بالرزق يزيل معنى الآيات عن وجهه الذي قصد به.
وقال آخرون في قوله: " فاليوم ننجيك ببدنك "، أي بدرعك وننجيك نلقيك على نجوة من الأرض.
وقال آخرون في قوله: " فصل لربك وانحر "، إن المراد به ضع يدك على نحرك، وتكايس غيره، وقال المعنى: استقبل القبلة بنحرك فهضموا معنى هذه الآية التي جمعت بين العبادتين العظيمتين الصلاة والنسك.
وقال آخرون في قوله: " أعجب الكفار نباته "، أنهم الزراع وهل أطلق سبحانه الكفار في موضع واحد على غير الكافرين به، وكما قيل في قوله: " كمشكاة فيها مصباح ".
إن المشكاة هذا الموضع الذي يشكو المتعبد فيه إلى الله.
وأضعاف أضعاف ذلك من التفاسير المستنكرة المستكرهة التي قصد بها الإغراب والإتيان بخلاف ما يتعارفه الناس كحقائق السلمي وغيره مما لو تتبع وبين بطلانه لجاء عدة أسفار كبار. ولولا قصد الإغراب والإتيان بما لم يسبق إليه غيره لما أقدم على ذلك. كما قال بعض الرافضة: في قوله: " مرج البحرين يلتقيان " هما علي وفاطمة: " بينهما برزخ لا يبغيان " هو النبي صلى الله عليه وسلم: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " هما الحسن والحسين.
¥