وجناية هؤلاء من القرآن جناية عظيمة. وبسبب ما اعتمدوه قال القائل: كلام الله لا يستفاد منه يقين، لاحتمال اللفظة منه عدة وجوه وقد فسرت بذلك كله، ولو شرح كتاب من كتب العلوم هذا الشرح، لأفسده الشارح على صاحبه، ومسخ مقاصده وأزالها عن مواضعها والمقصود أن حمل عمومات القرآن على الخصوص تعطيل لدلالتها، وإخراج لها عما قصد بها، وهضم لمعناها وإزالة لفائدتها كقول بعضهم في قوله تعالى: " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ".
إن المراد به علي بن أبي طالب. وهذا كذب قطعاً على الله أنه أراد علياً وحده.
بهذا اللفظ العام الشامل لكن من اتصف بهذه الصفة وقول هذا القائل أو غيره في قوله تعالى: " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون * لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ": انه علي بن أبي طالب، وفي قوله " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ": أنه علي بن أبي طالب.
وقول الآخر في قوله: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ": عمر بن الخطاب، " رحماء بينهم ": أبو بكر " تراهم ركعا سجدا ": عثمان " يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " علي.
وقول الآخر في قوله: " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ": هم الخبز.
وفي قوله: " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ": إنها أرض فلسطين والأردن.
وفي قوله: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ": هو أما بعد فهضموا هذا المعنى العظيم لإعطائه الحق في أتم بيان.
وفي قوله: " خذوا زينتكم عند كل مسجد ": المراد به المشط. ومن هذا يضع الرافضة المشط بين أيديهم في الصلاة.
وقد يقع في كلام السلف تفسير اللفظ العام بصورة خاصة على وجه التمثيل لا على التفسير معنى اللفظة في اللغة بذلك، فيغير به المعنى، فيجعله معنى اللفظة في اللغة، كما قال بعضهم في قوله: " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ": إنه الماء البارد في الصيف، فلم يرد به أن النعيم المسؤول عنه هو هذا وحده.
وكما قيل في قوله: " ويمنعون الماعون ": إنه القدر والفأس والقصعة فالماعون اسم جامع لجميع ما ينتفع به فذكر بعض السلف هذا للسائل تمثيلاً وتنبيهاً بالأدنى على الأعلى. فإذا كان الويل لمن منع هذا فكيف بمن منع ما الحاجة إليه أعظم، وإذا كان العبد يسأل عن شكر الماء البارد فكيف بما هو أعظم نعيماً منه.
وفي قوله: " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ": هم الغداء والعشاء.
وفي قوله: " ربنا آتنا في الدنيا حسنة ": أنها المرأة الموافقة. فهذا كله من التمثيل للمعنى العام ببعض أنواعه. فإن أراد القائل أن الأدلة اللفظية موقوفة على عدم التخصيص أنها موقوفة على عدم قصرها على هذا وأشباهه، فنعم هي غير مقصورة عليه ولا مختصة به ولا يقال لفهم هذه الأنواع منها تخصيصاً.
ونظير هذا ما يذكره كثير من المفسرين في آيات عامة أنها في قوم مخصوصين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وهذا تقصير ظاهر منهم وهضم لتلك العمومات المقصود عمومها، وكأن الغلط في ذلك إنما عرض من جهة أن أقواماً في عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، قالوا أقوالاً وفعلوا أفعالاً في الخير والشر فنزلت بسبب الفريقين آيات حمد الله فيها المحسنين وأثنى عليهم، ووعدهم جزيل ثوابه وذم المسيئين ووعدهم وبيل عقابه، فعمد كثير من المفسرين، إلى تلك العمومات فنسبوها إلى أولئك الأشخاص وقالوا إنهم المعنيون بها.
وكذلك الحال في أحكام وقعت في القرآن كان بدو افتراضها أفعال ظهرت من أقوام، فأنزل الله بسببها أحكاماً، صارت شرائع عامة إلى يوم القيامة، فلم يكن من الصواب إضافتهم إليهم، وأنهم هم المرادون بها إلا على وجه ذكر سبب النزول فقط، وأن تناولها لهم ولغيرهم تناول واحد،
فمن التقصير القبيح أن يقال في قوله: " يا أيها الناس اعبدوا ربكم ".
¥