تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أن المراد بالناس أهل مكة فيأتي إلى لفظ من أشمل ألفاظ العموم، أريد به الناس كلهم عربهم وعجمهم، قرناً بعد قرن إلى أن يطوي الله الدنيا فيقول: المراد به أهل مكة، نعم هم أسبق وأول من أريد به إذ كانوا هم المواجهين بالخطاب أولاً، وهذا كثير في كلامهم كقولهم: المراد بقوله: كذا وكذا أبو جهل أو أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة أو عبدالله بن أبي.

أو عبدالله بن سلام من سادة المؤمنين كما يقولون في كل موضع ذكر فيه: " ومن عنده علم الكتاب ".

إنه عبدالله بن سلام، وهذا باطل قطعاً فإن هذا مذكور في سورة مكية كسورة الرعد حيث لم يكن عبدالله بن سلام قد أسلم، ولا كان هناك.

وكذلك يقولون في قوله: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة ".

إن المراد به عبدالله بن أبي وكان من أحسن الناس جسماً. والصواب أن اللفظ عام في من اتصف بهذه الصفات وهي صحة الجسم وتمامه، وحسن الكلام وخلوه من روح الإيمان ومحبة الهدى وإيثاره كخلو الخشب المقطوعة التي قد تساند بعضها إلى بعض من روح الحياة التي يعطيها النمو أو الزيادة والثمرة، واتصافهم بالجبن والخور الذي يحسب صاحبه أن كل صيحة عليه. فمن التقصير الزائد أن يقال: إن المراد بهذا اللفظ هو عبدالله بن أبي.

ومن هذا قولهم في قوله تعالى: " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم ": إنه أبو جهل ابن هشام وكذلك في قوله: " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى ": إنه أبو جهل، وكذلك في قوله: " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " إلى آخرها، وكذلك في قوله: " ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم ..... " إلى آخرها: إنه الوليد بن المغيرة.

وكذلك قوله: " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ": إنه النضر بن الحارث. وفي قوله: " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ".

إنها في أناس معينين وأضعاف ذلك مما إذا طرق سمع كثير من الناس ظن أن هذا شيء أريد به هؤلاء ومضى حكمه وبقي لفظه وتلاوته حتى قال بعض من قدم العقل على النقل، وقد احتج عليه بشيء من القرآن: دعني من كلام قيل في أناس مضوا وانقرضوا:.

ومن تأمل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلم به وعظمة ملكه وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأمم قرناً بعد قرن إلى آخر الدهر وأنه جعله إنذاراً لكل من بلغه من المكلفين لم يخف عليه أن خطاب العام إنما جعل بإزاء أفعال حسنة محمودة، وأخرى قبيحة مذمومة، وأنه ليس منها فعل إلا والشركة فيه موجودة أو ممكنة، وإذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد الوعيد المعلق بها مشتركاً إلا ترى أن الأفعال التي حكيت عن أبي جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأضرابهم وعن عبدالله بن أبي وأضرابه كان لهم فيه شركاء كثيرون حكمهم فيها حكمهم.

ولهذا عدل الله سبحانه عن ذكر بأسمائهم وأعيانهم إلى ذكر أوصافهم وأفعالهم وأقوالهم، لئلا يتوهم متوهم اختصاص الوعيد بهم وقصره عليهم، وأنه لا يجاوزهم، فعلق سبحانه الوعيد وقصره عليهم وأنه لا يجاوزهم فعلق سبحانهه الوعيد على الموصوفين بتلك الصفات دون أسماء من قامت به إرادة لتعميم الحكم وتناوله لهم، ولأمثالهم ممن هو على مثل حالهم.

وهذا الحكم فيمن أثنى عليه ومدحه بما صدر منه من قول أو فعل عدل سبحانه عن ذكره باسمه وعينه إلى ذكره بوصفه وفعله ليتناول المدح لمن شركه في ذلك من سائر الناس، فإذا حمل السامع قوله: " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " وقوله: " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ".

ونظائرها على أبي بكر الصديق أو علي بن أبي طالب فقد ظلم اللفظ والمعنى وقصر به غاية التقصير وإن كان الصديق أول وأولى من دخل في هذا اللفظ العام وأريد به.

ونظير ذلك ما ذكره بعضهم في قوله: " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا " إلى قوله " يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير