تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لو رجحنا قول الأكثرية فترجيحنا لا يتحقق منه اليقين، فالشاهد هو الذي عنده الخبر اليقين، أما السامع الذي جاءه الخبر منقولا (رواية) فإنه حتى لو كان صحيحا فإن القاضي لا يحكم في القضايا إلا بناء على شهادة الشهود الذينَ حضروا الواقعة.

الشهيد في هذه القضية هو كتاب الله وكفى بالله شهيدا فهو القائل: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله، إن كان القمر قد انشق أو سينشق فسنجد الله قد يسر لنا ذكر الحقيقة وبيانها.

مثلا: رجل عاد إلى قريته بعد أن غاب عنها لمدة سنة فقيل له: إن بيتك الذي تركته يتردد عليه شخص بين الحين والآخر، و نفى آخرون أن يكونوا قد شاهدوا أحدا يدخل بيته.

لا شك أن أحد الخبرين صادق والآخر كاذب، وحتى لو رجح الخبر الذي يظنه صادقا وهو بالفعل خبر صحيح فإنه لا يفيد إلا الظن، أما إذا أراد اليقين فسيتبين له حين يدخل بيته، فسيجد من الأدلة ما يتيسر بها معرفة الحقيقة.

كذلك الرواية لا تفيد إلا الظن، والظن ليس علما، فقد قال تعالى: مالهم به من علم إلا اتباع الظن)، لا يقال عن ذلك الرجل قبل أن يدخل بيته إنه علم بما حدث في بيته، أما بعد دخوله وإدراكه للحقيقة بالأدلة التي تيسر وجودها فقدأصبح على علم، ذلك هو اليقين.

ترجيحنا لأحد الخبرين حتى وإن صح فهو لا يفيد إلا الظن، أما إذا أردنا اليقين فعلينا أن ندخل سورة القمر بعقولنا لنرى الأدلة التي تيسر لنا معرفة الحقيقة كما دخل ذلك الرجل بيته فأصبح على علم بما وقع أثناء غيابه.

تأملت في سورة القمر لعلي أجد فيها من الأدلة ما يتيسر بها الحكم فيما اختلف فيه المؤمنون بخصوص آية انشقاق القمر فوجدت أربعة أدلة ميسرة: قصص قوم نوح وقوم هود وثمود قوم صالح وقوم لوط.

هذه 4 أدلة ميسرة أكدالله ذكرها 4 مرات بقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، عقب على كل قصة من القصص المذكورة في السورة بقوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ... ) فكأنه يقول لنا:

تذكروا وتدبروا هذه القصص فإنها هي الأدلة التي يتيسر بها علم اليقين بشأن انشقاق القمر.

هل هذه القصص المذكورة في السورة تبين لناأن القمر قد انشق فعلا في العهد النبوي؟

إذا عدنا الى بداية السورة وتوقفنا عند قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، فعل الماضي (انْشَقَّ) لا يتيسر به إدراك انشقاق القمر في الزمن الماضي فقد يعبر الماضي عن الحتمية مثل قوله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا).

لم نجد في سورة القمر أية آية تدل على حدوث الانشقاق في الماضي حتى تلك الأدلة الميسرة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ... ) لا تدل على حصول الانشقاق إلا إذا كان أهل مكة قد تعرضوا لطوفان كطوفان قوم نوح وريح كريح عاد ورجفة كرجفة ثمود وحجارة من سجيل كالحجارة التي أمطر بها قوم لوط.

أما إذا اعتبرنا انشقاق القمر سيحدث في المستقبل عند قيام الساعة فإن الأدلة الأربعة تعتبر وصفا دقيقا لما يترتب عن الانشقاق، فالقمر إذا انشق فلقتين فإن جاذبية الأرض ستتضاعف ضعفين، وأول ما يتأثر بالجاذبية هو الماء، فستغرق الأرض بمياه البحار وأمواج كالجبال شبيهة بالطوفان في زمن نوح، والأمواج سيتولد منها ريح عاتية تدمر كل شيء كريح ثمود، فرياح الأعاصير تتولد من هيجان البحار والمحيطات، وبما أن جاذبية الأرض ستتضاعف لتصبح أكثر من قوة الطرد المركزي فإن ذلك سيبب الزلازل فيصبح الناس في ديارهم جاثمين كما حصل لثمود، وستسقط فلقتا القمر بفعل قوة الجذب على الأرض فتجعل عاليها سافلها كما حصل لقوم لوط.

يحدث هذا حينما يكون من الناس من هم في مثل كفر قوم نوح، ومنهم من يكون في مثل ما كان عليه قوم عاد، ومنهم من يكون في مثل ما كانت عليه ثمود، ومنهم من يكون في مثل شذوذ قوم لوط، ومنهم من يكون في مثل طغيان فرعون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير