تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما اللفظي: فالأرض على وزن ألفاظ المصادر الثلاثية كضَرب والذي يماثل وزنها ومعناها السَفْل والتَحْت وهما لا يثنيان ولا يجمعان وفي مقابلتهما بالفوق والعلو وهما كذلك لا يجمعان (54)، وأحسن من هذا الفرق أنه لم يقل (سبع أرضين) لهذه الجسأة التي تدخل اللفظ ويختل بها نظم الجملة اختلالاً (55) فلو أريد جمع الأرض على قياس جموع التكسير لقيل آرض كأفلس أو آراض كاجمال أو أروض كفلوس - فجمعها (في القلة (آراض) بالمدّ على أفعال كألف وآلاف وفي الكثرة أروض بالضم قياسي أيضاً كألوف، وجمعت شذوذاً على أراضٍ كما شذّ جمع أهل على أهالٍ (56) - فاستثقلوا هذا اللفظ إذ ليس فيه من الفصاحة والحسن والعذوبة ما في لفظ السموات، وأنت تجد السمع نابياً عنه بقدر استحسانه لفظ السموات لهذا تفادوا من جمع (أرض) إذا أرادوه بثلاثة ألفاظ تدل على التعدد كما قال تعالى: ( ... خلق السموات ومن الأرض مِثلهن) (الطلاق: 12) كل هذا تفادياً من أن يقال أراضٍ وآرض (57)، أما السبب المعنوي فقيل: لأنه أريد الإخبارعن الذات لا العدد ولما احتيج إلى الإخبار عن العدد قيل: ( ... ومن الأرض مثلهن)، وقيل: لا مقارنة في السعة وقيل لقصد التحقير (58) وقيل: جمعت السماء؛ لأن كل واحدة مختصة بعالمٍ من الملائكة يخالف الآخر وأفردت الأرض لأن الانتفاع بما يلينا منها دون غيرها (59)، ولمثل هذا التعليل قرائن في الأسلوب القرآني كقوله تعالى مخاطباً (موسى وهرون): (فقولا إنّا رسولُ رب العالمين) (الشعراء: 16) فأفرد على الرغم من أنهما مثنى؛ لأن وظيفتهما واحدة - والله أعلم -، ولأفراد السماء حيناً وجمعها حيناً آخر غاياتٍ أسلوبية، قال تعالى: (أأمنتم من في السماء ... أم أمنتم من في السماء ... ) (الملك 16، 17) فقد أفرد هنا لما كان المراد الوصف الشامل والفوق المطلق ولم يرد سماء مخصوصة وكذلك في قوله تعالى: (فورب السماء والأرض إنه لحق ... ) (الذاريات: 23) إرادة لهذين الجنسين أي ربّ كل ما علا وكل ما سفل فلما كان المراد عموم ربوبيته أتى بالاسم الشامل لكل ما يُسمى سماء وكل ما يُسمى أرضاً (60)، والواحد إذا أريد به الجنس كان أعم من الجمع (61) لذلك لم تجيء في سياق الأخبار بنزول الماء من السماء إلا مفردةً حيث وقعت لما لم يكن المراد نزوله من ذات السماء بنفسها بل المراد الوصف، وكذلك قوله تعالى: (وفي السماء رزقكم وما توعدون)، أي: من سماء واحدة لا عامة السموات (62)، وبهذا ندرك دقة ما قاله العلوي: (إن الألفاظ على وجهين في استعمالها مفردة، أحدهما: أن تكون فصيحة مستعملة في كل أحوالها في الأفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ...

وثانيهما: أن تكون أحوالها مختلفة بالإضافة إلى استعمالاتها ... ) (63) وقد تنبه المحدثون إلى هذا ولعل أشهر من أكد هذا المعنى (الرافعي) (64) وإن سيطرت على تعليلاته الدقيقة فكرة الجِرْس غالباً في حين تنبه غيره إلى استخدام وتفريقٍ خاصٍ بالمفردة والجمع خاصةً عند التقابل الدلالي كما في لفظتي (النور) و (الظلام) فلم ترد لفظة النور مجموعة في القرآن ولم تأتِ لفظة الظلام مفردةً معها قال تعالى: ( ... ليخرجكم من الظلمات إلى النور) (الحديد: 9) وقال تعالى: ( ... يريدوا ليطفئوا نور الله بأفواههم) (الصف: 8) وقال تعالى: (ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور) (الطلاق: 11) (65)، فلم يجمع (نور) في القرآن على (أنوار) أي: أنه تعالى يخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور لا إلى الأنوار مع أن السياق يتطلب الجمع للمقابلة، وحكمة ذلك كما يقول السيد رشيد رضا: إن النور شيءٌ واحد وإن تعددت مصادره، ولكنه يكون قوياً ويكون ضعيفاً، وأما الظلمة فهي تحدث بما يحجب النور من الأجسام غير النيرة وهي كثيرة جداً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير