تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذلك النور المعنوي شيءٌ واحدٌ ... فالحق واحد لا يتعدد والباطل الذي يقابله كثير (66)، وقد أوضح الشعراوي ذلك فقال: إن في الدنيا ظلمات كثيرة ولكن ليس هناك أنوار، هناك نور واحد هو نور الله سبحانه وتعالى نور الحق؛ لذلك لا يستخدم الله سبحانه وتعالى إلا كلمة نور لأن النور هو نور الحق ولا نور غيره (67)، ويبدو أن كلاهما قد أفادا مما قاله ابن القيم (وجَمَعَ الظلمات وهي طرق الظلال والغي لكثرتها واختلافها ووحّد النور وهو دينه الحق .. الذي لا طريق سواه) (68).

وقد استخدم مثل هذا دون تقابل دلالي كاستخدام لفظة (الريح) و (الرياح) فلفظة (الريح) لم ترد إلا في سياق الشر والعقوبة كما لم ترد لفظة (الرياح) إلا في سياق الخير قال تعالى: (وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيءٍ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) (الذاريات: 41) وقال تعالى: (إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحسٍ مستمر) (القمر: 19) (69)، ولعل السبب في ذلك أن ريح الشر تهب مدمرة عاصفة لا تهدأ ولا تدع الناس يهدءون فهي لاستمرارها ريح واحدة لا يشعر الناس فيها بتحول ولا تغيير ولا يحسون بهدوء يلم بها فهي متصلة في عصفها وشدة تحطيمها وذلك هو مصدر الرهبة منها والفزع أما الرياح تحمل الخير فتهب حيناً وتهدأ حيناً لتسمح للسحب أن تمطر فهي متقطعة تهبّ في هدوءٍ ويشعر المرء فيها بفترات سكون وأنها رياح متتابعة وهي في تعبير القرآن هذا مصورة للإحساس النفسي (70)، والدليل على ذلك كما يقول أحمد بدوي أنّ القرآن أفرد ولمّرةٍ واحدة لفظة (الرياح) في موضع الخير والأنعام في قوله تعالى: (حتى إذا كنتم في البحر وجرينَ بهم في ريحٍ طيبة) (يونس:22) ذلك أن (إفراد الريح مع السفن هو الرحمة بها ولو أنّها جمعت فقد يدلّ الجمع على مجيء الريح من مهابٍ متعددة وفي ذلك دمارٌ لها) (71).

وقد يعبر القرآن عن المعنى الواحد بعدة أساليب بل قد يعبر عن هذا المعنى بالأفراد والتثنية والجمع معاً قال تعالى: ( ... رب المشرق والمغرب .. ) (المزمل: 9) وقال تعالى: (ربّ المشرقين وربّ المغربين) (الرحمن:17) وقال تعالى: (ربّ المشارق والمغارب) (المعارج: 40)، فإننا هنا أمام تعابير تختلف من حيث الأفراد والتثنية والجمع، وأظنني قد استطعت من كل ما سبق أن أصل إلى ما أردت تأكيده بدايةً، وهو أنّ كل مفردة في سياقها تأتي مختارةً بصوتها ودلالتها وبنيتها وحالها بما يخدم ويوافق دلالة السياق العامة من غير ما تجاوز لأي حقيقةٍ لغوية كانت أم تاريخية أم علمية وبما يتناسب مع كل المستويات الفكرية فتباين هذه المفردات أعطى وعلى اختلاف العصور قراءاتٍ متعددة متباينةٍ من حيث الظاهر إلا أنها وباجتماعها تحقق تكاملاً دلالياً أو صورياً من غير ما تجاوز لطبيعة البنية الكلية لكل سياقٍ من هذه السياقات، فبناء النص القرآني أثبت قبوله لقراءات متعددة على مر الزمن وبما لا يحقق تعارضاً ما دامت هذه القراءات تعتمد على أساسٍ لغوي سليم، فيمكن القول بإرادة معنى (رب المشرق والمغرب) في كل هذه التعابير فيكون المراد بالمشرقين المشرق والمغرب، وبالمغربين المغرب والمشرق (على التغليب) فيكون في ذلك تكرير لتعظيم أمر المشرق والمغرب وقال بعض المفسرين: المشرقان هما مشرق الشمس في الصيف ومشرقها في الشتاء والمغربان مغربها في الصيف ومغربها في الشتاء (72) ... الخ، وكذلك كان الاختلاف في المغارب والمشارق وقد تنبه الشعراوي إلى مناسبة التعبير حجم التفكير للعقل البشري في وقت نزول القرآن وحجمه في يومنا هذا بل قارن ما كان عليه الفهم له في ذلك الوقت فعندما يقول القرآن رب المشرق والمغرب فليس هناك تعارض بين العقل والآية في ذلك والتثنية معناها أن تجمع بين عمومية الجهة وهي الشرق وبين المكان المحدد لشروق الشمس بمعنى أنك تقول هذا هو الشرق .. وهذا هو الغرب وتشير بيدك فإذا أردت أن تحدد مكان شروق الشمس فإنك تقول إن الشمس تشرق من هنا وتحدد المكان بالضبط، أما الجمع فتفسيره أن كل بلدة لها مشرق ولها مغرب ومن هنا فإنّ الله سبحانه رب المشارق كلها والمغارب، أما ما يفهم من هذه التعابير اليوم فرب المشرق والمغرب التي قيل عنها عمومية تأخذ طابعاً آخر من خلال فهم طبيعة الاقتران

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير