تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيها لأنه لا يوجد مشرقٌ دون مغرب لأنّ كروية الأرض تحتم ذلك، ففي الوقت الذي تغرب فيه الشمس على جهة تكون في الوقت نفسه تشرق على جهة أخرى إذن قوله تعالى: (رب المشرق والمغرب) أصحُّ من أن يُقال (رب المشرق ورب المغرب) كما في (رب المشرقين ورب المغربين)، فقوله تعالى يشير إلى أن عملية الغروب تقابل في الوقت نفسه عملية الشروق حيث كان الفهم أنهما جهتان متقابلتان بالنسبة للعين المجردة أما التثنية فلأن الكرة الأرضية في عموميتها لها مشرقان مشرقٌ تضيء منه الشمس نصف الكرة ومغرب ثم تستدير الكرة كلها فيأتي نصف الكرة الآخر فيكون له مشرقٌ ومغرب، أما قوله تعالى: (رب المشارق والمغارب) فأنه لا يوجد مشرق واحد ولا مغرب واحد لأي دولة في العالم وإنما هي مشارق ومغارب فزاوية الشرق والغروب تتغير، ففي كل جزء من الثانية مشرق تشرق الشمس فيه على مدينة وتغيب فيه عن مدينة أخرى وعلى الرغم من أن جهة الشروق واحدة إلا أن المشرق تختلف زاويته كل يوم وكذلك المغرب والدليل على ذلك اختلاف وقت الإفطار والإمساك من يوم لأخر ومن مدينة لأخرى في رمضان مثلاً (73).

وإذا كان في هذا إجابة شافية لاختلاف بنية المفردة إلا أن سؤالاً يبقى بلا إجابة عند المحدثين وهو لماذا اختير كل تعبير في آية وسياقٍ يختلف عن الآخر وبصورة أدق لماذا جاءت كل بنية في سياق وما علاقتها به؟ والعجيب أن تأتي الإجابة عن مثل هذا التساؤل من (ابن القيم) وبفكرة السياق نفسها التي تلهج بها الدراسات الحديثة إذ يقول: وأما وجه اختصاص كل موضعٍ بما وقع فيه فلم أرَ أحداً تعرض له ولا فتح بابه وهو بحمد الله بينٌ من السياق (74)، فقد ورد مثنى في سورة الرحمن لما كان مساق السورة مساق المثاني المزدوجات حيث ذكر أولاً نوعي الإيجاد والتعليم (75)، ثم ذكر سراجي العالم الشمس والقمر لذلك حسنت التثنية هنا وقدّر موضعهما اللفظ مفرداً ومجموعاً تجد السمع ينبو عنه ويشهد العقل بمنافرته للنظم أما ورودهما مفردين في سورة المزمل فلما تقدمهما من ذكر الليل والنهار .. فلما تقدم ذكر الليل وما أمر به فيه وذكر النهار وما يكون فيه عقب ذلك بذكر المشرق والمغرب الذين هما مظهر الليل والنهار فكان ورودهما مفردين في هذا السياق أحسن من التثنية والجمع .. أما مجيئهما مجموعين (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدلَ خيراً منهم وما نحن بمسبوقين) (المعارج: 41) فلما كان في هذا القسم في سياق سعة ربوبيته وإحاطته قدرته والمقسم عليه أرباب هؤلاء .. فلا يليق بهذا الموضع سوى لفظ الجمع (76).

رابعاً: تباين صيغ الجموع:

لابد أن يكون هناك سبب لتخصيص الآية بالجمع الذي وردت عليه دون الآخر لأن القرآن لا يستعمل صيغة جمع في أي مكانٍ اعتباطاً وإنما يُراعى في ذلك السياق، فالأوزان المختلفة لها معانٍ مختلفة (77)، وقد ذهب الدكتور إبراهيم السامرائي على أن العربية خصّت صيغة جمع بمفردٍ معين في الدلالة على مادةٍ من المواد كما خصت صيغة جمع آخر بالمفرد نفسه في الدلالة على مادةٍ أخرى فالعين وهي الباصرة قد جُمعت في القرآن على (أعين) وعين الماء قد جمعت في القرآن نفسه على عيون (78)، قال تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً) (القمر: 12) وقال تعالى: ( .. فطمسنا أعينهم) (القمر: 37) غير أن الدكتور فاضل السامرائي لا يرى في مثل هذا شيئاً خصت به العربية صيغة الجمع وإنما هو مما خصّ به القرآن الكريم قسماً من الجموع في الاستعمال فقد خصَّ استعمال الحمير مثلاً حيث وردت بالأهلية من الحُمُر قال تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة .. ) (النحل: 8) وخصَّ الحُمُر بالوحشية قال تعالى: (كأنهم حُمُرٌ مستنفرة فرّت من قسورة) (المدثر: 50 - 51) (79) ولعل السبب في هذا الاستخدام أن سياق آيات المدثر كان مسوقاً لتصوير فزعِ ورعبِ هؤلاء فاقتضى أن يشبههم بالوحشي من الحمر لما عُرف عنه من شدة الحذر والفزع الدائم في حين كان سياق آيات النحل مسوقاً في مقام التنعيم والتفضل لذلك ناسب السياق مجيء التعبير بالحمار الأهلي لأن الأخبار عن الركوب والحمل وهو محلهما - والله أعلم -.

اختلاف المفردة مشتقةً وجامدة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير