تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تقدم أنّ الأسلوب القرآني يتميز بالتوظيف الدقيق المؤدي إلى السعة في المعنى بأوجز لفظٍ حتى أن المفردة لتكاد تتفجر مؤديةً أكثر من وظيفةٍ دلالية يستدعيها السياق ومن هذا التوظيف الدقيق دقة الاستخدام للمفردة من خلال اختلافها مشتقة وجامدة يقول الدكتور محمود نحلة: أنّ التعبير القرآني قد يلجأ إلى التعبير عن اسم جامدٍ بآخر مشتق لهدفٍ فني أو بلاغي فيعدل عن ذكر اسم جامدٍ من أسماء الذوات لأنّ له تصوراً محدداً في الذهن ويذكر اسماً مشتقاً يشتمل على صفةٍ من صفات هذا الاسم الجامد ومن ثمّ تتعدد الاحتمالات الذهنية لهذا الاسم الذي ينطبق عليه هذا الوصف المتضمن في الاسم المشتق، وهذا التعدد في الاحتمال يُكسب التعبير القرآني ثراءً وغنى وينأى به عن التقريرية المباشرة التي لا يحتاج الإنسان معها إلى إعمال فكرٍ أو نظر (80).

قال تعالى: (والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً فالمدبرات أمراً) (النازعات: 1 - 5) وقال تعالى: (وشاهدٍ ومشهود) (البروج: 3) إذ ورد في تفسير قسمه تعالى هنا سبعة وعشرون قولاً (81)، وقد ذهب القاسمي هذا المذهب ذاكراً أنّ اللفظ متسعٌ لما ذُكر من المعاني بلا تدافعٍ ولا إمكان للجزم بواحدٍ منها إذ لا قاطع (82)، وهذا هو رأي الطبري فبعد نقله للأقوال في قوله تعالى: (وشاهد ومشهود) قال: (والصواب عندي أنه صالحٌ لكل ما يقال له مشاهد ويقال له مشهود (83)، وقال عند قوله تعالى: (والنازعات غرقاً .. ): الصواب عندي أن يقال أنه تعالى أقسم بالنازعات غرقاً ولم يخصص نازعةً دون نازعة، فكل (نازعةٍ غرقاً) فداخلة في قسمة مَلَكَاً أو نجماً أو قوساً أو غير ذلك وهكذا في البقية (84)، والسبب في الاختلاف أنه (لما كانت الموصوفات المقسم بها محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها وكان لهذه الصفات تعلقات مختلفة، اختلفوا في المراد بها .. ) (85)، على أن هذا الاختلاف إنما يحقق الفائدة المرجوة في السياق إذ المقصد الأول في القسم هو التعظيم ودفع الشك عما سيقسم عليه، وفي هذا من التعظيم ما لا يخفى لتعدد المقسم بهنّ مع إيجاز اللفظ؛ لذلك ذهب القاسمي إلى أن قول ابن جرير مُتجه للغاية إذ فيه إبقاء للفظ على شموله وهذا أعمّ فائدة وعدم التكلف للتخصيص مع عدم وجود القاطع (86)، فالتعبير بالمشتق عن الجامد هو الذي جلب هذا التعدد في التفسير ولا أقول الاختلاف لتحقق القصد في ذلك تحقيقاً للغموض الفني كما يقول (نحلة) الذي يوقظ الذهن ويثير التساؤل ويشرك المتلقي ويقتضي وعياً وانتباهاً ومشاركةً من القارئ أو السامع لتتم له المتعة الفنية في اكتشاف المعنى المراد أو ما يقترب منه (87).

وقد يعدل القرآن عن التعبير بالمشتق إلى الجامد وهو في هذا لا يختار أسماء الذوات وإنما أسماء المعاني ليضعها موضع الأسماء المشتقة لما لها من خاصية في التعبير ليست للمشتقات إذ هي تحتمل تمكن الوصف وإطلاقه والمبالغة فيه قال ابن يعيش (قالوا رجل عدلٌ وفضل كأنه لكثرة عدله والرضا عنه وفضله جعلوه نفس العدل والرضا والفضل) (88)، كما في قوله تعالى: ( ... جزاءً وفاقاً) (النبأ: 27)، فالوفاق هنا مصدر وافق بمعنى ماثَل أو ضارع، وقد عدل القرآن الكريم عن وصف الجزاء باسم مشتقٍ نحو: جزاء موافقاً إلى وصفه بالمصدر للمبالغة في تصوير هذا العقاب الأليم وتقريره، وقد يعدل إلى المصدر الجامد دون أن يكون وصفاً كما في قوله تعالى: ( ... ونهى النفس عن الهوى) (النازعات: 40) فالهوى هنا مصدر وضع موضع المفعول (مهديّ) ليحقق هذا الإطلاق في نهي النفس عن كل ما تميل إليه مع الهوى (89).

CC0000

1) دلائل الإعجاز 303.

2) ينظر: شرح التصريح 2/ 65، وشرح الكافية 2/ 184.

3) المقتضب 4/ 148 – 149.

4) ينظر: تفسير الماوردي 4/ 368.

5) تفسير غريب القرآن 376.

6) ينظر: حاشية الصبان 2/ 296.

7) ينظر: الفروق في اللغة 12 – 13.

8) ينظر: التعبير القرآني 36 – 37.

9) تفسير غريب القرآن 487.

10) تفسير ابن كثير 4/ 426.

11) ينظر: تفسير الرازي 30/ 142، وتفسير البيضاوي 2/ 531، وتفسير غرائب القرآن 29/ 52.

12) تفسير تفسير الرازي 30/ 142.

13) ينظر: مجاز القرآن 2/ 271، وبواكير التفسير 343.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير