تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فيعلم أستاذنا أنه قد جرى مني أن سألته عن تفسير البقاعي المسمى < بنظم الدرر > وثناء القاضي الشوكاني عليه حينما ترجم له في كتابه البدر الطالع، ونص عبارته في البدر {1/ 20}: (ومن أمعن النظر في كتاب المترجم له - أي البقاعي - في التفسير الذي جعله في المناسبة بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علمي المعقول والمنقول، وكثيرا ما يشكل علي شيء في الكتاب العزيز فأرجع الى مطولات التفاسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفي وأرجع إلى هذا الكتاب فأجد ما يفيد في الغالب). انتهى

فذكرت لي أن للقاضي الشوكاني رأياً آخر في هذه المسألة قرره في فتح القدير عند الآية الأربعين من سورة البقرة، يفيد برجوعه عن هذا الثناء، حيث قال في صدره:

(اعلم أن كثيراً من المفسرين جاؤوا بعلم متكلف، وخاضوا في بحر لم يكلفوا سباحته، واستغرقوا أوقاتهم في فن لا يعود عليهم بفائدة ... ) إلى أن قال: (وذلك أنهم أرادوا أن يذكروا المناسبة بين الآيات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في المصاحف، فجاؤوا بتكلفات وتعسفات يتبرأ منها الإنصاف ويتنزه عنها كلام البلغاء فضلاً عن كلام الرب سبحانه، حتى أفردوا ذلك بالتصنيف وجعلوه المقصد الأهم من التأليف كما فعله البقاعي في تفسيره .. الخ) فسألتكم بارك الله في علمكم أي القولين متأخر عن صاحبه، فقلتم لنا: لا ندري.

وتلميذكم يستأذنكم في ذكر ما توصل إليه في هذه القضية، ونحن في هذا الأمر إنما نقدم عليه خدمة لشيخنا ونعلم أنه في وقته مشغول بما هو أهم، فأقول:

قد ذهبت أتلمس تواريخ الانتهاء من تحرير هذه المصنفات، فوجدته قال في نهاية النسخة التي بين يدي من تفسيره - رحمه الله -:

(وإلى هنا انتهى هذا التفسير المبارك بقلم مؤلفه محمد بن علي بن محمد الشوكاني غفر الله له ذنوبه. وكان الفراغ منه في ضحوة يوم السبت لعله الثامن والعشرون من شهر رجب أحد شهور سنة تسع وعشرين بعد مئتين وألف سنة من الهجرة النبوية) ونجده قال في نهاية البدر الطالع (قال المؤلف: إلى هنا انتهى الكتاب في ليلة الأربعاء ثاني شهر الحجة الحرام سنة 1213 هجرية وكان مدة جمعه نحو أربعة أشهر وليال يسيرة وأكثر الأيام يعرض الشغل فلا يمكن تحرير شيء) فلا شك أن هذه التواريخ الممهورة بقلم المصنف في آخر النسخ تقضي بأن الفتح هو المتأخر، وبناء عليه فكلامه في فتح القدير هو رأيه المتأخر المعتمد، ولكن يشكل عليه ما قال المصنف في ترجمته لنفسه من البدر الطالع (2/ 222) بعدما سرد مؤلفاته التي فرغ منها حال تأليفه للبدر الطالع:

(وقد يعقب هذه المصنفات مصنفات كثيرة يطول تعدادها وهو الآن يجمع تفسيرا لكتاب الله جامعا بين الدارية والرواية، ويرجوا الله أن يعين على تمامه بمنه وفضله) ووجه الإشكال من هذه العبارة: أن القاضي الشوكاني رحمه الله قد شرع في مباحث هذا التفسير حين كتابته للبدر الطالع الذي لم يستغرق كتابته أربعة أشهر، أكثر أيامها كان يعرض للمصنف الشغل فلا يتمكن من تحرير شيء كما نقلنا ذلك في عبارته الآنفة الذكر، وقد وقع تقريره لكلامه عن هذه القضية في فتح القدير عند آية أربعين من سورة البقرة، فيكون تناوله لهذه المسألة في أوائل مباحث هذا التفسير، وهذا يبعث في النفس الشك في أي القولين يكون متأخرا، لأنه يدل على أن شروعه في التفسير مصاحب لتأليف البدر ولكنه لم يكمله حال انتهائه من البدر الطالع، ولا شك كما ذكرنا أن تناوله لهذه المسألة وقع في صدر هذا التفسير الذي كان متفقا مع تصنيفه للبدر الذي قضي أمره في أيام معدودة مما يقضي أن مناقشته لهذه المسألة في كلا الكتابين كان في مدة متقاربة ولا يدرى أيهما السابق، هكذا في نظري، مما أوجب عندي طلب الترجيح في أمر آخر، وقد رأيت أن من خير الأدلة في هذه المسألة، دليل الاستقراء الذي يفيد القطع، فنظرنا في فتح القدير فلم نجده ذكر البقاعي وتفسيره < نظم الدرر > إلا في ثلاثة مواضع كلها في سورة البقرة.

أولها: عند الآية الرابعة والثلاثين < وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم ... الخ > فقال: وقد وقع الخلاف هل كان السجود من الملائكة لآدم قبل تعليمه الأسماء أم بعده؟ وقد أطال البحث في ذلك البقاعي في تفسيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير