أما رسالة ابن تيمية،بفصولها السبعة فلا تتجاوز إثارة بعض قضايا هذا الموضوع،وهي بذلك لا تعدو كونها مباحث في التفسير، وفي بض قضاياه.
وهكذا استمر الوضع على ما هو عليه في ما يبدو إلى القرن الرابع عشرالهجري، فهذا عبد الحميد الفراهي المتوفى سنة 1349هـ يقول في رسالته التكميل في أصول التأويل: "ولم نحتج إلى تأسيس هذا الفن لترك العلماء إياه بالكلية، فإنك تجد طرفا منه في أصول الفقه ولكنه غير تمام " ويفهم من كلامه أن أصول التفسير، أو أصول التأويل بعبارته، يوجد طرف منه في أصول الفقه. ولعله يشير إلى ما يتناوله علماء الأصول عادة عند حديثهم عن الأصل الأول وهو الكتاب وعند مباحث الدلالة. ومعلوم أن علماء أصول الفقه إنما يركزون على ما تعلق بالأحكام خاصة، والتفسير أوسع من ذلك وهذا ما جعل الفراهي يقول:"فلو جعل هذا الفن من علم التفسير لعظم محله في الدين " وهو نص صريح في كون هذا العلم لم يكن من علم التفسير بل كان من الفقه أو بعبارة المؤلف من فروع المسائل.
من أجل ذلك وجدنا باحثين معاصرين يرددون مع الطوفي مقالته:" فإنه لم يزل يتلجلج في صدري إشكال علم التفسير …" فيثيرون الإشكال مرة أخرى،وينبهون إلى خطورته،ويدعون إلى ضرورة تظافر الجهود من أجل حله.
ومن الذين اهتموا بالموضوع وأكدوا ما قلناه من حاجة هذا العلم إلى جهود متظافرة لإبرازه الدكتور محمد بن لطفي الصباغ. والإشارة الأولى منه لهذا الموضوع كانت في كتابه لمحات في علوم القرآن الذي صدرت طبعته الأولى سنة 1973 م، وفيه يقول: "أصول التفسير مبحث مهم تفرقت موضوعاته في مقدمات بعض المفسرين وفي كتب أصول الفقه …" ثم يقول: "والبحث في أصول التفسير ما زال متسعا لمزيد من الدراسة والتأليف." ويلاحظ أنه في هذه المرحلة لا يتحدث عن علم أصول التفسير وإنما عن مبحث أصول التفسير.ثم هو في هذا الكتاب لم يزد على لمسه لمسا خفيفا و في ذلك يقول:" وسنلمس هذا المبحث لمسات تتناول النقاط الثلاث التالية:
1. سنذكر العلوم التي لابد من تحصيلها ليتسنى لنا أن نفسر القرآن
2. كما نذكر ما يشترطه العلماء عادة في المفسر
3. ونشير إلى أهم قواعد أصول التفسير."
وهذه اللمسات الخفيفة ناسبت عنوان كتابه:"لمحات في علوم القرآن " لكنه في كتابه "بحوث في أصول التفسير " والذي صدرت طبعته الأولى سنة 1988م يدعو إلى جمع مباحث علم أصول التفسير ويعتبره علما مستقلا، يقول:"ونود أن نقرر الآن أن هناك ضرورة علمية ملحة لإفراد مباحث هذا العلم أي علم أصول التفسير وإبرازها تحت عنوان قرآني متميز وفي حيز خاص لخدمة كتاب الله تبارك وتعالى.ذلك لأن بقاء تلك المباحث العميقة،والقواعد الرائعة حيث ذكرنا ولاسيما في علم أصول الفقه لأن بقاءها هناك يجعلها بعيدة عن ساحة الحضور والتصور،ويجعل فائدتها قليلة،وربما لا يذكرها عند التصدي للتفسير من سبق له أن اطلع عليها، بله من لم يقرأها ولم يسمع بها"
ومن أهم ما يدعو إليه ما يمكن أن نسميه إستقلالية هذا العلم وأن يكون مستقلا لا تابعا، ويوضح ذلك بقوله:"فإن إقرار تلك المباحث من أصول التفسير، وإبرازها تحت عنوان خاص بها،يتيح لها مزيدا من التحرير والتنقيح،والزيادة والتسديد، فطاقات البشر متكاملة، والمواهب غير مقصورة على زمان ولا بلد، فقد تأتي عبقرية وموهبة فذة وتسهم في إثراء هذا العلم و تكميله."
ومن الباحثين المهتمين بالموضوع الدكتور محسن عبد الحميد ففي كتابه دراسات في أصول التفسير الذي صدرت طبعته الأولى 1979م يشير إلى كون" موضوعات هذا العلم الجليل مبعثرة هنا وهناك في كتب التفسير وأصوله ومناهجه وعلوم القرآن والأصول وإننا في كلياتنا الإسلامية وأوساطنا المثقفة المهتمة بمثل هذه الدراسات نحتاج إلى كتاب يلم بمسائل هذا العلم، ويعرضها بأسلوب واضح" وهذا ما جعله يقول أيضا:"ولقد اقتنعت بأننا في هذا العصر بأحوج ما نكون إلى هذا العلم لكثرة ما انتشر من أخطاء شنيعة وتأويلات فاسدة لا يوجهها إلا الهوى ولا يقودها إلا الجهل."
والعبارة صريحة في الدلالة على مراد صاحبها، فالأمر كما قال وزيادة: إذ الأخطاء الشنيعة في تزايد، والتأويلات الفاسدة في انتشار، والحاجة الماسة لهذا العلم أكيدة.
¥